قصص قصيرة

ابن البستاني أعاد صوت ابنة المليونير… لكن ما كُشف بعدها داخل القصر كان أخطر من الموت نفسه!

أعدك.
كان ريكاردو يراقب المشهد من زاوية بعينين تمزجهما الامتنان والحزن. رأى كيف كان هذا الطفل ببراءته وإيمانه الذي لا يتزعزع يحقق ما لم تستطع ثروته ولا أمهر أطباء العالم تحقيقه.
في المقابل كانت عمة سوفيا أماليا تراقب المشهد نفسه بسم يتزايد. كل تحسن صغير كانت تحققه سوفيا كان مسمارا جديدا في نعش أحلامها. وكل ابتسامة يمنحها ريكاردو لليو كانت إهانة شخصية.
ذات بعد ظهر حاصرت ريكاردو في ممر المستشفى وهمست بصوت أفعواني
ريكاردو عليك أن تفيق. هذا جنون. ابن خادم يجلس تحت سرير ابنتك كأنه معالج.
قال ببرود
عم تتحدثين يا أماليا
ابتسمت ابتسامة خبيثة
الأمر واضح. البستاني وابنه وجدا فرصة ذهبية. الصبي يمثل والفتاة تستجيب صدفة والآن أصبحا لا غنى عنهما. إنهما يتلاعبان بك ليحصلوا على مالك. يريدون ثروتك.
كانت التهمة قذرة إلى حد جعل ريكاردو يعجز عن الكلام للحظة. لكن صورة ليو نائما على الكرسي ومعطفه على كتفيه ونظرة الإيمان الصافي في عينيه محت أي شك.
تحول حزنه إلى غضب بارد. قال بصوت منخفض وخطير جعل أماليا تتراجع خطوة
ذلك الطفل أنقذ حياة ابنتي حين كنتم أنتم ومحترفوكم قد حكمتم عليها بالموت وبدأتم التفكير في الميراث. مكانه إلى جوارها وإن لم يعجبك ذلك فباب المستشفى مفتوح وكذلك باب بيتي.
كان التهديد واضحا. حدقت فيه أماليا بعينين تلمعان بحقد لم تعد قادرة على إخفائه.
أنت عاطفي وعاطفتك هذه ستدمرك قالت قبل أن تستدير وتمضي بخطوات غاضبة.
راقبها ريكاردو وهي تبتعد وشعر لأول مرة أن المرض الحقيقي لم يكن في سرير ابنته بل في قلب عائلته.
في تلك الليلة نفسها أجرت أماليا مكالمة من سيارتها
فشلت الخطة أ. أخي الأحمق يظن الصبي قديسا. علينا أن
نفصل بينهما نهائيا. ننتقل إلى الخطة ب. يجب أن يبدو الأمر حادثا حادثا مأساويا. لا يمكن للصبي أن يعود إلى ذلك المستشفى.
في صباح اليوم التالي أشرقت الشمس عبر نافذة الجناح وأغرقته بضوء أمل. كانت سوفيا أكثر يقظة من أي وقت مضى. لم تعد عيناها فارغتين صارتا تتابعان الممرضات بفضول. وعندما قرأ ريكاردو لها قصة ابتسمت. ابتسامة خفيفة لكنها لا تنكر.
خرج ريكاردو للحظة وعاد يحمل صندوقا ملفوفا بورق الهدايا. كانت وحدة ألعاب الفيديو التي قال له ليو يوما إنها حلمه. أراد أن يقدمها له ذلك المساء عربون امتنان.
في الوقت نفسه وعلى بعد كيلومترات في بيت صغير خلف القصر كان ليو ووالده مانويل يستعدان لزيارتهما اليومية للمستشفى. كان مانويل الرجل المتواضع قليل الكلام يمشط شعر ابنه بعناية.
صديقتك سوفيا بانتظارك. هل تظن أنها ستستيقظ اليوم يا أبي
ربت مانويل على رأسه
وأنت إلى جوارها يا بني كل شيء ممكن.
خرجا من البيت وسلكا شارعا جانبيا هادئا تحفه الأشجار طريقا مختصرا إلى موقف الحافلة. وفي منتصف الطريق سمعا هدير محرك يقترب بسرعة جنونية.
ظهرت فجأة سيارة سوداء بزجاج داكن انعطفت بعنف عند الزاوية. اندفع مانويل غريزيا أمسك ليو ودفعه نحو الرصيف مستخدما جسده درعا له. لم تبطئ السيارة. كان الاصطدام عنيفا ومفاجئا. تلقى مانويل الصدمة كاملة وقذف أمتارا في الهواء. أما ليو فحماه والده وأصيب بخدوش وارتطم رأسه بالأرض. آخر ما رآه قبل أن يغيب عن الوعي هو السيارة وهي تسرع وتختفي.
في المستشفى تحول قلق ريكاردو إلى يأس متزايد. تأخر ليو ووالده ساعة كاملة. اتصل بمانويل مرارا لكن الهاتف كان يجيب بالبريد الصوتي. تشكل عقدة باردة في معدته. دخل غرفة سوفيا فوجدها
تنظر إلى الباب بترقب تنتظر صديقها. انقبض قلبه.
رن هاتفه. رقم مجهول.
هل أتحدث إلى السيد ريكاردو كاستيو نحن من مستشفى إكسوكو العام. مانويل وليو غارسيس كانا على قائمة الطوارئ. تعرضا لحادث دهس وهروب.
توقف عالم ريكاردو. سقط الهاتف من يده. همس
لا لا يمكن.
ارتدت كلمات أماليا في رأسه كحكم إعدام. لم يكن حادثا كان تنفيذا.
عاد مترنحا إلى غرفة ابنته غارقا في مزيج من الذنب والغضب الذي يكاد يخنقه. جثا عند سريرها وقال بصوت مكسور
ليو ليو تعرض لحادث.
ومن ضباب غيبوبتها رأت سوفيا وجه أبيها مشوها بالحزن. سمعت اسم صديقها وكلمة حادث وفي تلك اللحظة حدث قصر دائرة داخلي. غريزة الحماية والرغبة في مواساة أبيها والحاجة لمعرفة ما أصاب منقذها كانت أقوى من الصدمة التي أسرتها.
قاتلت الضباب والصمت. ارتجفت شفتاها اللتان لم تنطقا بكلمة منذ سنوات. دفعت الهواء من رئتيها بجهد خارق وسألت بصوت أجش هش لكنه واضح تماما
أبي أين ليو
انتفض ريكاردو. نسي ألمه للحظة.
تكلمت همس مذهولا.
نظرت إليه بعينين صافيتين ممتلئتين قلقا وكررت السؤال كل مقطع جهد عظيم لكنه لا ينكر
أبي أين ليو
كان ذلك معجزة ولدت من مأساة. خطر صديقها لم يكن مجرد خبر عابر بل كان الشرارة الأخيرة التي أشعلت ما تبقى في أعماقها من قدرة على المقاومة. كأن شيئا داخل رأسهاشيئا ظل لسنوات يختبئ خلف جدار من الصمتتلقى نداء لا يمكن تجاهله.
حين نطقت أبي أين ليو
لم تكن مجرد جملة. كانت إعلانا بأنها لم تعد بعيدة وبأن روحها كانت هنا طوال الوقت تستمع من خلف الضباب.
ريكارودو ارتجف. لم يكن يتخيل أن الصوت الذي افتقده سنوات يمكن أن يعود بهذه الطريقة في لحظة ممزوجة بالفرح الذي يخنق والرعب الذي ينهش. ركع
قربها كما لو أن قدميه نسيتا معنى الوقوف ومد يده يلمس خدها برفق شديد كأنه يخاف أن تختفي إن لمسها بقوة.
قال بصوت مبحوح وهو يدفن وجهه في شعرها
إنه في المستشفى يا حبيبتي وسيكون بخير. أعدك.
لكنه كان يعرف في داخله أن هذا الوعد لا يكفي. لا يكفي أن يطمئنها ولا يكفي أن يتظاهر بأن ما حدث حادث كما قالوا. كانت عيناهاللتان تعرفان لغة الخداع كما تعرفان لغة المالقد فهمتا الأمر قبل أن يكتمل الكلام.
هذا لم يكن حادثا.
كان رسالة.
وكانت الرسالة موجهة إليه شخصيا
إن واصلتم سنكسر كل ما تحبونه.
رفع ريكاردو رأسه ببطء. وعلى الرغم من الدموع التي كانت على وجهه فإن شيئا فيه تغير. لم يعد ذلك الأب الذي يرجى ويستعطف ولا ذلك الرجل الذي ينتظر تفسيرا طبيا أو تقريرا رسميا. عاد الرجل الذي يكره أن يهزم الرجل الذي لا يعرف معنى فات الأوان الرجل الذي تعلم منذ أول صفقة أنه إن ترك خصمه يتقدم خطوة فسوف يدفع حياته ثمنا.
في تلك اللحظة تحول.
اختفى المليونير المنكسر وظهر المفترس الذي لا يقبل الرفض.
لم يرفع صوته. لم يحتج إلى ذلك. كان صوته منخفضا لكنه كان أقسى من أي صراخ. التفت إلى رئيس فريق الأمن الخاص به الذي وقف عند الباب وقال كلمة واحدة كأنها طلقة
اعثروا عليهم.
ثم أضاف ببطء مقصود وكأن كل حرف يخرج من فمه يحمل وزنا قانونيا وتهديدا صريحا
اعثروا على السيارة. على السائق. على من أمر. على من دفع. وعلى من ظن أنني لن أرى. مهما كان الثمن.
لم يكن ذلك أمرا. كان إعلان حرب.
خلال أقل من ساعة تحول الجناح الفاخر إلى مركز عمليات. رجال أمن يدخلون ويخرجون. مكالمات على خط مشفر. أسماء تذكر ثم تشطب. كاميرات طرقات تطلب. تقارير مرور تستخرج. سجلات سيارات الأجرة تفتش.هواتف تراقب. حسابات تحلل.
وفي الوقت نفسه لم ينس ريكاردو ما

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock