قصص قصيرة

الوصيّة المخفيّة حين قلبت رسالة واحدة إرث العائلة رأسًا على عقب

من المطبخ
أغلقي الباب بسرعة يا حبيبتي! سيدخل الهواء البارد!
لكن الصمت كان ثقيلا.
دخلت.
كان الهواء داخله يابسا ساكنا لكن الذكريات كانت صاخبة.
أغلقت الباب وأسندت ظهري إليه ثم انزلقت إلى الأرض وبكيت كما لم أبك منذ جنازتها.
كان ورق الجدران يتقشر الأثاث مغطى بملاءات مغبرة والرائحة خليط من الخشب المعتق والزهور الذابلة وشيء معدني لا أعرفه ربما من المواسير. أو من الحزن.
مشيت في كل غرفة بهدوء كما لو أن شيئا مقدسا يسكن البيت.
استأجرت فريقا صغيرا للبدء بالترميم. لم أرد تغيير البيت أردت فقط إنقاذه.
كنت أريد أن تنظر أمي إلينا من السماء وتبتسم.
كان مايكي المقاول لطيفا دون مبالغة صاحب حس خفيف وصمت مريح. لم يسألني شيئا عندما وجدني جالسة في خزانة أمي أبكي.
وفي اليوم الثالث كنت أسكب القهوة حين سمعت صوته يناديني من الممر
آنا يجب أن تري هذا.
ذهبت إليه. كان راكعا على الأرض وقد رفع السجاد وكشف الألواح.
رفع رأسه نحوي وفي يديه ظرف رقيق مائل إلى الاصفرار هش عند الأطراف..
اسمي مكتوب على المقدمة بخط أمي.
أخذته بكلتي يدي وكأنه قد يتحلل بين أصابعي.
كانت رائحته مزيجا من ماء الورد والغبار.
فتحته بأصابع مرتجفة.
في الداخل رسالة. ووصية.
وصية أمي الحقيقية بتاريخ يسبق تلك التي أرسلتها كيتلين بثمانية أشهر.
وهذهكانت تقسم كل شيء مناصفة بيننا بوضوح لا لبس فيه.
وموقعة.
وموثقة.
كان توقيع أمي هو نفسه الذي زين بطاقات أعياد ميلادي وتصاريح المدرسة وملاحظاتها الصغيرة لي.
كان خطها لا شك.
نسخة كيتلين لم تكن خطأ فقط بل كانت مزيفة.
تسللت الدموع إلى عيني وارتجفت الورقة بين يدي. شعرت بالخيبة لكن الأعمق كان الغضب.
اتصلت بالمحامي السيد بنسون خلال ساعة.
مرحبا أنا آنا ابنة مارلين. وجدت وصية أمي الحقيقية. كيتلين أعطتني نسخة مزورة وأحتاج مساعدتك.
سألني هل أنت متأكدة
قلت وجدتها تحت الأرضية في غرفة نومها بخط يدها وموقعة وموثقة. نسخة كيتلين لا تقاربها حتى.
تنفس المحامي ببطء.
وقال عليك الحذر يا آنا. الأمر لم يعد يتعلق بالميراث فقط. إن كانت كيتلين قد زورت وثائق قانونية عن قصد فقد تفعل أي شيء لتحمي ما تعتقد أنه ملكها.
أدركت حينها أن علي مواجهتها لكن بطريقتي.
في المساء اتصلت بها ودعوتها إلى المنزل.
فقط لنتحدث يا أختي. عن الترميمات لدي أفكار وأريد سماع رأيك. هذا كان منزلنا.
قالت سآتي لكن حضري شيئا لذيذا حسنا
وصلت متأخرة نصف ساعة بنظارات شمسية كبيرة ومعطف جينز قديم كانت تسرقه من خزانة أمي أيام الثانوية.
قالت وهي تنظر حولها
واو فعلت مثل برامج الترميم التلفزيونية أليس كذلك
قلت بهدوء لم أفعل الكثير بعد. أحاول فقط إصلاح ما يحتاج إصلاحا. بعض الألواح القديمة كانت خطيرة.
رمقتني بنظرة متهكمة
طبعا آنا المثالية.
جلسنا إلى الطاولة في صمت ثقيل يذكر بصمت المستشفيات بعد منتصف الليل. وضعت أمامها كوب الشاي شاي البرغموت الذي كانت أمي تعشقه والذي كنت أعده لها دائما في ليالي الشتاء حين ينهكها البرد والمرض. شعرت للحظة أن رائحته وحدها تحمل ذاكرة كاملة من حياتي معها. ثم وضعت الملف أمام كيتلين ببطء وكأن الوثائق نفسها تحمل وزن السنوات الماضية لا مجرد أوراق.
رفعت حاجبها بنبرة باردة وهي تسأل
ما هذا
أجبتها وأنا أراقب ارتعاشة خفيفة في أصابعي
أنت من يجب أن تخبرني بالحقيقة.
مدت يدها إلى الصفحة الأولى وبدا على ملامحها أنها تتوقع شيئا تافها فاتورة وصل شراء أو ورقة تتعلق بالترميم. كانت تتعامل مع الأمر باستخفاف واضح كمن يظن أنه يعرف كل شيء مسبقا ولا ينتظر أي مفاجأة.
لكن المفاجأة كانت تنتظرها.
ما إن وصلت أصابعها إلى صفحة الوصية الحقيقية حتى تغير وجهها بأكمله.
توقفت حركة يديها فجأة وكأن الزمن تجمد حولها.
تسارعت أنفاسها قليلا ثم حاولت إخفاء ذلك.
تقلصت عيناها وارتجف فكها بطريقة لم أراها عليها منذ كنا أطفالا.
رفعت بصرها إلي نظرة مليئة بالاتهام والخوف في آن واحد وسمعتها تقول بصوت متماسك مصطنع كمن يتشبث بآخر خيط من السيطرة
أنت فتشت. كنت أعلم أنك لن تتحملي فكرة أن تترك أمنا كل شيء لي.
لم أرد.
الصمت في تلك اللحظة كان أبلغ من أي كلمة.
كنت أنظر إليها لا بغضب ولا شماتة بل بحزن مر حزن على أختي على علاقتنا وعلى كل ما خسرناه دون أن ندرك.
لكنها لم تحتمل صمتي.
ضربت الطاولة بيدها وصرخت بنبرة حادة كسكين
أنت دائما هكذا يا آنا! دائما! تظنين نفسك أفضل مني! لماذا لم تستسلمي فقط أمك ماتت.
هنا فقط شعرت بغضب بارد يتمدد في صدري.
لكن صوتي خرج هادئا ثابتا أقوى من الغضب نفسه
لم أكذب يوما يا كيتلين.
نهضت فجأة حتى إن الكرسي انقلب خلفها وارتطم بالأرض بقوة.
حاولت أن تجعل من صوتها سلاحا لكنها كانت ترتجف قليلا
لم أكن بحاجة لأن أكذب! أمي أعطتك كل شيء! طوال حياتي كنت أعيش في ظلك بينما أنت كنت تأخذين نصيب الأسد دائما. حبها اهتمامها وقتها وأنا حصلت على الفتات.
نظرت إليها طويلا.
لأول مرة لم أر أختي التي خانتني بل رأيت الطفلة التي لم تستطع يوما أن تقول ما يؤلمها.
قلت لها بصدق لا بسخرية
كان يمكنك أن تكوني معها في أسابيعها الأخيرة. لو أردت. لكنك لم تأتي. لم تتحملي. لم تستطيعي الجلوس قربها وهي تموت ببطء ثم بعد ذلك اخترت أن تسرقي.
احمر وجهها بالكامل كأن الحقيقة صفعتها.
ثم قالت بحدة يائسة
لن أستمع لهذا الهراء.
أخذت الوصية من أمامها طويتها بهدوء شديد ودفعتها نحوها.
ثم قلت بصوت منخفض لكنه كان أقوى من كل صراخها
لكن المحكمة

الصفحة السابقة 1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock