قصص قصيرة

رجل أعمال يزرع كاميرات خفية لحماية ابنته المشلولة

لم يتخيل فارس أبدا أن أقسى صوت سيسمعه في حياته لن يكون صوت احتكاك الإطارات المرعب في ذلك الظهيرة على الطريق الدائري بل الصمت الذي تلاه. صمت ثقيل ولزج تسلل إلى كل ركن من أركان فيلته الكبيرة واستقر هناك يرتاح على الأرائك الفاخرة يختبئ خلف الستائر المخملية ويتنفس عبر كل غرفة. منذ ۏفاة زوجته ليلى عاش فارس وكأن المنزل متحف للأحزان نظيف تماما من الخارج ومحطم من الداخل. كان يستيقظ كل صباح في الخامسة فجرا دون منبه محاصرا في نفس الکابوس وكأنه حكم مؤبد شاحنة مسرعة فقدت السيطرة الارتطام العڼيف الصرخات… ثم اللاشيء. كان يفتح عينيه ولمدة ثانيتين رحيمتين يعتقد أنه كان مجرد حلم. ثم ينظر إلى الجانب الفارغ من السرير حيث كانت تنام ليلى ليصدمه الواقع وكأنه جدار صلب. كان ينهض لأنه لم يكن لديه خيار آخر. ابنته نور كانت كل ما تبقى من ذلك الحاډث. كان عمرها أحد عشر شهرا عندما وقعت الکاړثة. تحدث الأطباء عن تلف في العمود الفقري وصدمة عصبية ومصطلحات رفض فارس استيعابها. لكن جملة واحدة انطبعت في روحه كالكي قد لا تتمكن من المشي أبدا. امتلأ المنزل بالمعدات الطبية والكراسي المخصصة والألعاب التي لم تعد تجلب الفرح. قبل الحاډث كانت نور ترفس بساقيها الصغيرتين وتلتف لتمسك قدميها وتضحك عندما تقبل ليلى بطنها. بعد الحاډث بدت ساقاها الصغيرتان بعيدتين وكأنهما تنتميان لطفلة أخرى. كان فارس يضمها إليه ورغم أنها لم تكن تزن شيئا تقريبا إلا أنها كانت تبدو ثقيلة كثقل العالم فوق كتفيه. مرت الشهور ضبابية بين اجتماعات الشركة وزجاجات الحليب العقود والحفاضات. حاول فارس أن يعيش كرجلين المدير التنفيذي لشركة التقنية الذي لا يستطيع إيقاف عمله والأب المكلوم الذي لا يستطيع إيقاف حزنه. حثه شركاؤه على أخذ إجازة وراحة. ابتسم ابتسامة باهتة ووعد بالتفكير في الأمر وهو يعلم الحقيقة العمل كان الشيء الوحيد الذي يبقيه واقفا. إذا توقف سيبتلعه طوفان الحزن بالكامل. ثم جاء دور المربيات ومقدمات الرعاية. الأولى تركت العمل بعد ثلاثة أيام. الثانية اختفت بحجة واهية. الثالثة استمرت أسبوعا. الرابعة أسبوعين. الخامسة بكت وهي تغادر وقالت كلمات طاردته طويلا يا أستاذ فارس لا أستطيع تحمل هذا قلبي يتقطع. كل رحيل كان يبدو وكأنه تخل آخر ليس فقط عن نور بل عن الأمل نفسه. لذلك عندما رن جرس الباب في صباح ذلك الثلاثاء بالكاد أبدى فارس أي رد فعل. كان يتوقع طردا بريديا. بدلا من ذلك وجد شابة نحيلة بشعر أسود مربوط ببساطة إلى الخلف وملابس محتشمة ونظيفة جدا وكأنها لم يمسها غبار الشارع. كانت تبدو في الخامسة والعشرين من عمرها بعينين ثابتتين وغير خائفتين. قالت بصوت هادئ ونبرة وقورة أنا هنا بخصوص الوظيفة.. قرأت الإعلان. لقد علم الألم فارس عدم الثقة. حذره صوت داخلي
رجل أعمال يزرع كاميرات خفية لحماية ابنته المشلۏلة

1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock