
الطفلة اللي وقفت قدّام قصر الملياردير وقالت له أهلاً يا أبي!
أن تقرأه.
خفق النبض في رقبتي بعنف.
التفت نحو ضوء القصر المنعكس على الطريق.
ادخلي الآن يا إيمري. الجو دافئ.
لكنها تراجعت خطوة.
لا يا سيد وعدتها.
نطقت الكلمة بطاعة لا تأتي إلا ممن تربى على الخوف متنكرا في هيئة ولاء.
قبل أن أستطيع الاعتراض أخرجت شيئا آخر من حقيبتها الصغيرة
صورة بولارويد.
مسحت زاويتها بإبهامها ثم قدمتها لي.
تجمد الدم في عروقي.
كان وجهي
أصغر سنا
واقفا بجانب امرأة أحببتها ذات يوم حبا حطم حياتي حين خسرتها.
شعرها خلف أذنها.
يدي حول كتفها.
ليلة تحت عجلة فيريس في أوستن الليلة التي تمنيت لو أنها لم تنته أبدا.
اخترق صوت إيمري دوي الرعد خلفنا.
تقول أمي إنها آسفة. لم ترغب أن تفسد حياتك. لكنها قالت إن الابنة تستحق أبا حتى لو كان ثريا الآن.
اشتد المطر.
يا سيد همست.
نعم
هل ستقرأ الرسالة الآن
ضرب الرعد وارتجفت البوابة.
فتحت الظرف فوق الحصى ولو أن المطر مزق الورق قبل أن unfoldه.
كان الحبر قد ذاب قليلا كأنه دموع.
إلياس بدأ.
اسم لم تنطقه امرأة بهذا الدفء غيرها.
إن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أن وقتي نفد لحمايتها وحدي.
توقف قلبي.
إيمري ابنتك. لم أقصد إخفاءها للأبد.
لكن والدك أجبرني.
غطيت الورقة بكفي حتى لا يمحوها المطر.
قال إنه إن بقيت قريبة من عالمك سيدمر عالمي.
ووقتها صدقته.
أبيالرجل الذي بنى إمبراطوريتنا حجرا فوقحجرتحول فجأة إلى غريب يقف بين ماضي وحاضري.
ربيتها بهدوء بأمان.
لكن الأمور تغيرت.
هناك من يبحث عنا.
انكمش صدري.
إن أردت الحقيقة تعال الليلة.
إن لم تأت فأحببها من بعيد.
لا توقيع. أن احتاجه كان خطها هو وجهها.
سحبتني إيمري من طرف معطفي.
يا سيد أمي قالت إنك ستفهم.
انحنيت حتى صارت عيناها بمحاذاة عيني. كانت تحمل نظرتي القديمة نفسها قبل أن أكون رجل هذا القصر.
أين هي الآن يا إيمري
همست في موتيل ويلو القديم الغرفة ١٢. وقالت إن هناك بدأت الحقيقة.
موتيل ويلو.
آخر مكان رأيتها فيه قبل أن يهددها أبي بالاختفاء.
حملت إيمري بذراعي.
ارتجفتثم أمسكت بي بثقة لم تكسبها من أحد قبل الآن.
في السيارة سألتني بصوت مرتجف
هل يمكنني أن أناديك بشيء آخر
بماذا تريدين مناداتي
وضعت كفها الصغيرة على الزجاج.
أبي.
شق البرق السماء.
أغلقت عينيليس من الرعدبل من ثقل كل ما استعدته فجأة.
عدت احتضنتها بقوة.
نعم أنا أبوك. وأنا هنا الآن.
نمت على صدري وهي ما تزال ممسكة بمعطفي كأنها تخشى أن أختفي من جديد.
قادتي الغضب والخوف والحب إلى موتيل ويلو.
السقف المتدلي. اللافتة المضيئة نصف الوقت.
الساحة نفسها التي أخبرتني فيها لينا أنها تحبني ثم رحلت قبل أن أقول الكلمة نفسها.
الغرفة ١٢.
ضوؤها دافئ.
طرقت.
فتحت فوراكأنها تنتظرني منذ سنوات.
كانت لينا.
ليست الفتاة التيعرفتها بل المرأة التي صقلها العناء. أقوى. أهدأ. أعمق.
حين رأت إيمري شهقت.
وجدتك
بل هي من وجدتني قلت.
دخلنا الغرفة. حقائب مفتوحة. ملابس مطوية بعجلة. حقيبة صغيرة تخص إيمري قرب الباب.
كنت سترحلين. قلت.
أومأت. لم أكن أعلم كم بقي لنا.
وضعت الطفلة على السرير ببطء شديد كمن يضع جزءا من قلبه على وسادة. كانت يداي ترتجفان دون إرادتي لا من البرد ولا من التعب بل من ضخامة اللحظة التي لم أتخيل يوما أن أعيشها. استدارت إيمري في مكانها بحثت بعفوية عن موضع دافئ ثم لفت الغطاء حول جسدها الصغير وغمضت عينيها فورا.
نامت بسرعة مدهشةكأن الأمان وحده لا السرير ولا البطانية هو الذي سمح لعينيها بأن تستسلما للنوم.
الموتيل كان هادئا بشكل غريب. وحده المطر يقرع الزجاج بإصرار وكأن السماء تريد أن تذكرني بأن العالم خارج هذه الجدران ما يزال خطرا وأن ما حدث الليلة ليس حلما بل بداية عاصفة أكبر بكثير.
التفت نحو لينا.
كانت واقفة قرب الستارة نصف وجهها مضاء بضوء خافت ونصفه الآخر غارق في الظلال. كتفاها مشدودان وذراعاها معقودتان أمام صدرها وإرهاق السنين كلها واضح في عينيها.
قلت بصوت خافت لكنه ثابت
من يبحث عنكما
لم تجب فورا.
ترددت وكأنها تعرف أن إجابتها ستفتح بابا لا يمكن إغلاقه.
ثم نطقت بالاسم الذي تمنيت بكل كياني ألا أسمعه
والدك.
شعرت كأن صاعقة ضربتني.برد قاتل وسريع زحف في عروقي حتى أحسست أن الدم نفسه تحول إلى ثقل جليدي داخل صدري.
لماذا جاء صوتي مبحوحا أثقل مما أردت.
تنهدت طويلا وكأنها تطلق سنوات من الخوف في زفرة واحدة.
لأنه عرف بوجودها. وقال لي الكلام نفسه الذي قاله قبل عشر سنوات إن عالمكم لا يناسب أمثالنا. وإنه سيحل المشكلة قبل أن تعرف أنت.
تزعزع كل شيء حوليالجدران الأرض حتى الهواء. لم أعد متأكدا إن كنت واقفا أم مجرد هيكل فارغ يتمسك بالحياة كي لا يسقط.
هددك مرة أخرى سألت.
هزت رأسها ببطء.
وهذه المرة كنت أعلم أنه يعني ذلك. لم يكن يلمح. كان يتوعد.
ساد صمت طويل ثقيل قاس.
لم نتحدث قليلا.
كان هدير المطر يملأ المكان وصوت تنفس إيمري الناعم من السرير يذكرني بأن حياة صغيرة تعتمد علي الآن.
أزيز المدفأة القديمة كان يشبه دقات ساعة تحصي الوقت المتبقي قبل أن يتغير كل شيء.
قلت وأنا أشعر بغضب يمزقني
كان عليك إخباري.
رفعت عينيها إلي نظرة منهكة لكنها صادقة.
حاولت. ليلة رحيلي أتيت إلى بيتك. كنت واقفة عند البوابة مترددة لكن مصممة. هو من استقبلني. قال لي إن أخبرتك سينتهي كل شيء. قال إنه سيدمر حياتك شركتك سمعتك وأنك ستلومني لأنني كنت السبب.
لم أكن
قاطعتني بمرارة موجوعة
لقد صدقته مرة إلياس. لماذا لا تصدقه مرة أخرى
كانت كلماتها سهما.
ليس لأنه جرحني بل لأنه كان صادقا.
الطعناتلا تأتي دائما من الأعداء أحيانا تأتي من الحقيقة التي تهرب منها سنوات طويلة.
سكت.
ثم اقتربت منها خطوة
ثم أخرى.
كنت





