قصص قصيرة

الملياردير الذي ركع في الشارع لأجل أمّه فغيّر حياة بائعة الطعام إلى الأبد

خرج جيري من الغرفة ليترك للعائلة خصوصيتهم لكنه شعر بشيء يلسع قلبه ألما صغيرا حادا صامتا. كان المفروض أن يشعر بالانتصار بعد أن جمع شمل هذه العائلة لكنه شعر بشيء آخر أيضا فراغ خفي.
في تلك اللحظة خرجت جيسيكا ووقفت بجانبه
يا عمو جيري
نعم
قالت بتفكير
أنت فرحان لنا لكن شكلك حزين شوي.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خافتة
أنت ملاحظة مثل الأطباء.
ابتسمت بفخر.
تنهد جيري
رؤية العائلات تجتمع تجعلني عاطفيا. لسنوات طويلة لم يكن لدي أحد. أظن أنني ممتن لأيام كهذه.
هزت رأسها ببطء
ستكون لك عائلة أيضا. الله سيعطيك واحدة.
نظر إليها
حقا
نظرت إليه وابتسمت
نعم.
ابتسم بهدوء
أعتقد أنني أصدق ذلك الآن.
في الداخل كانت أمارا وجونسون وماما هانا يمسكون أيدي بعضهم. دائرة كاملة. معجزة خيطتها الطيبة. مسح جونسون دموعه
سنعيد بناء كل شيء يا أمارا. أنا لست الرجل الذي كنته سابقا لكن مع الوقت سأعود أقوى.
همست
كل ما أريده هو وجودك في البيت.
مدت ماما هانا يدها إلى جونسون
يا بني اعتن بهذه المرأة. لقد أطعمتني عندما لم يكن لدي شيء.
التفت إلى أمارا
أطعمت أمي
ابتسمت وهي تبكي
وهي أطعمت روحي أيضا.
ودخلت جيسيكا بينهم ولفت ذراعيها حول أبويها.
كانت العائلة كاملة من جديد قطعا مكسورة جمعت بلطف وداوتها الرحمة.
عاد جيري بعد قليل ومعه أخبار عن البناء لكن أمارا أمسكت بيديه وقالت
لقد فعلت أكثر من اللازم. لم تجلب البركات فقط بل أعدت زوجي إلى البيت. كيف أشكرك
نظر إليها بحنان
لا تشكريني فقط استمري في كونك أنت.
ابتسمت جيسيكا. هزت ماما هانا رأسها فخرا. وهمست أمارا بالكلمات التي حملتها في قلبها منذ البداية
اللطف دائما يعود إلى بيته.
ابتسم جيري
نعم يعود دائما.
وبينما كانت الشمس تغرب كان العمال يواصلون بناء مطعم كايندنس.
عائلة اجتمعت بعد سنوات من الحزن.
أرملة استعادت هويتها كأم.
فتاة كبر حلمها بأن تصبح طبيبة.
وملياردير وجد شيئا لم يكن يعلم أنه يحتاجه مكانا ينتمي إليه.
بعد شهر واحد من اليوم الذي هز الحي كله تحولت قطعة الأرض الفارغة عند المفترق إلى شيء لا يصدق شيء لم يتخيل أحد أن يراه يوما في حيهم الصغير.
مطعم كايندنس واجهة زجاجية ضخمة أرضيات لامعة أضواء مشرقة أبواب دوارة طاولات مصقولة موظفون بزي موحد وشعار يظهر فيه يدان تمسكان طبقا من الطعام.
كل يوم كان الناس يتجمعون فقط لمشاهدة التقدم.
كل يوم يكبر المبنى أكثر.
كل يوم يمتلئ الحي بحماسة أكبر.
وكل يوم كانت أمارا تسأل نفسها بصمت
هل أستحق حقا كل هذا
كان النهار مشمسا. الحشود كبيرة. الموسيقيون يعزفون. صفوف من الكراسي تمتد على طول الشارع. الكاميرات تعمل. المراسلون يمسكون الميكروفونات.
وقف جيري في المنتصف مبتسما بفخر. كانت جيسيكا إلى جانبه تستعد لدخول الجامعة. كان جونسون الأكثر قوة الآن يمسك بيد ابنته. ووقفت أمارا في المقدمة ويداها ترتجفان.
في الوسط كانت ماما هانا بثوب دانتيل نظيف تمسك المقص بيدين مرتعشتين المرأة التي نامت تحت الجسر يوما أصبحت اليوم ضيفة الشرف. كانت تبكي أصلا.
رفع جيري الميكروفون
اليوم نفتتح أكبر مطعم في بورت هاركورت مطعم بني تكريما لامرأة طيبتها أنقذت أمي.
ثم قال
أيها السيدات والسادة رحبوا معا بالمرأة التي كانت مصدر إلهام كل هذا السيدة هانا.
ضج الجمهور بالتصفيق والدموع.
مسحت ماما هانا أنفها بطرف لفتها ثم استدارت إلى أمارا
يا ابنتي تعالي.
تقدمت أمارا ببطء وجسدها كله يهتز.
وضعت هانا يدي أمارا فوق يديها على المقص
اليوم همست أعيد إليك ما أعطيتني فرصة للحياة.
وقطعتا الشريط معا والدموع على وجهيهما.
انفجر الحشد بالهتاف. أطلقت الألعاب النارية. ومضت الكاميرات. وأمام مئات الناس وضعت ماما هانا مفاتيح المطعم في يد أمارا.

انهارت أمارا تبكي
أنا لا أستحق هذا
أمسكت هانا كتفيها
أنت تستحقين أكثر مما يستطيع
العالم أن يعطيك.
عانقتهما جيسيكا ولأول مرة منذ سنوات شعر جونسون الذي يقف خلفهن بالفخر وبالامتنان وبأنه كامل من جديد.
مرت الشهور ثم سنة ثم سنتان.
أصبح مطعم كايندنس اسما معروفا في كل مكان. الناس يأتون من ولايات أخرى ليأكلوا فيه.
الصحف أطلقت عليه
قلب بورت هاركورت المطعم الذي بني باللطف.
وظفت أمارا أكثر من خمسين موظفا. افتتحت فروعا جديدة. غيرت حياة كثيرين كما غير اللطف حياتها هي. واستمر العمل في الازدهار سبعون مليون نايرا أرباحا سنوية.
أحيانا كانت تجلس في مكتبها تحدق في الأرقام وتهز رأسها في دهشة
كيف وصلت إلى هنا من بائعة طعام بسيطة على الرصيف
وكان الجواب دائما واحدا
اللطف.
كما وعد تكفل جيري بكل مصاريف دراسة جيسيكا في كلية الطب الرسوم الجامعية الكتب السكن وحتى السماعة الطبية. كان جونسون رغم تعافيه البطيء من صدماته
يحاول أن يدعمها بطريقته أيضا يواظب على العلاج النفسي يبقى في البيت أكثر ويبني ثقته بنفسه من جديد.كان يساعد أحيانا في مكتب المطعم يتعلم العالم الجديد الذي فاته.
كانت ماما هانا تزور جيسيكا كل نهاية أسبوع في الجامعة تحمل لها الشوربات وتخبر الجيران بفخر
حفيدتي ستصبح طبيبة.
وبعد خمس سنوات صعدت جيسيكا منصة التخرج بمعطفها الأبيض.
الدكتورة جيسيكا جونسون نادى المذيع.
صرخت أمارا من مقاعد الجمهور تبكي بلا تحكم. لوحت ماما هانا بلفتها في الهواء. صفق جونسون حتى آلمته كفاه.
وأما جيري فكان واقفا في زاوية القاعة بابتسامة هادئة ناعمة. لم يقل الكثير لم يكن بحاجة لذلك. جيسيكا كانت تعرف وتشعر هي أيضا.
بعد التخرج بدأت جيسيكا تعمل في أحد أفضل المستشفيات الخاصة في البلاد بفضل تفوقها وبفضل التزكية الهادئة التي قدمها جيري خلف الكواليس.
تحولت الليالي إلى مكالمات هاتفية متأخرة.
والمكالمات إلى عشاء.
والعشاء إلى نزهات.
والنزهات إلى شيء لم يقل صراحة لكن الجميع أحس به.
إلى أن جاء مساء هادئ في حديقة مطعم كايندنس حيث طلب منها جيري أن تلتقي به.
وصلت جيسيكا بفستان أبيض بسيط وشعرها منسدلا في تجعيدات ناعمة.
كان جيري ينتظر تحت الأضواء يديه في جيبيه أكثر توترا من أي مرة رأته فيها.
قال بلطف
يا جيسيكا دخلت حياتي بسبب اللطف ومنذ ذلك اليوم وأنت تذكرينني كل يوم بما يعنيه أن نهتم حقا بالآخرين.
اشتد نبض قلبها.
انحنى جيري على ركبة واحدة. شهقت جيسيكا.
هل تقبلين الزواج بي سأل وهو يفتح صندوقا صغيرا مخمليا.
هل تسمحين للطف أن يبني بيتا جديدا هذه المرة لنا نحن
غطت جيسيكا فمها والدموع تنفجر من عينيها
نعم! صرخت. نعم يا جيري!
ألبسها الخاتم في إصبعها المرتجفة. وانطلقت الألعاب النارية في السماء من جديد.
كان الزفاف ساحرا.
سارت أمارا وماما هانا معا لتوصلا جيسيكا إلى المذبح وهما تبكيان بصوت عال إلى درجة جعلت الضيوف يضحكون وهم يمسحون دموعهم.
وقف جونسون في الأمام مرتديا بدلة أنيقة عيناه تلمعان بالامتنان.
كان جيري ينتظر عند المذبح يبتسم كأنه وجد أخيرا كل ما فقده يوما.
حين أعلن القس أنهما زوج وزوجة انتفضت القاعة كلها بالفرح.
أغمي على أمارا لثانيتين من شدة التأثر.
رقصت ماما هانا رغم ضعف قدميها.
بكى جونسون في منديله.
وتعانق جيري وجيسيكا كأنهما وعد بأن القدر حقيقي.
ملأ ضحك الأطفال قصرهم بعد ذلك. توأمتان ميمي وميرابيل.
كانت جيسيكا تحمل ميمي وجيري يحمل ميرابيل.
وأما أمارا وماما هانا فكانتا تتبادلان حملهما تبكيان من شدة الفرح. وقف جونسون خلفهم جميعا يبتسم رجلا أكبر سنا أكثر حكمة لكنه في النهاية عاد إلى بيته.
كانت أمارا تهز حفيدتها وتهمس
كان اللطف هو الذي جلب لنا كل هذا.
هزت ماما هانا رأسها والدموع تنساب على تجاعيد وجهها
نعم اللطف دائما يعود إلى البيت.
وفي تلك الغرفة الدافئة المليئة بالفرح والعائلة انتهت الحكاية التي بدأت تحت مظلة ممزقة عند قارعة الطريق بحب وشفاء ولم شمل وأجيال مباركة.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock