روايات

خادمة الملياردير… وريثة القصر بقلم اسما السيد

يخرج كالسوط
ما الذي حدث لها ماذا فعلتم
حاول ياسر أن يتكلم بهدوء طبي
دخلت في حالة نزيف حاد وبعد التدخل جراحي تم إنقاذها هي وجنين واحد نحتاج إلى مزيد من الوقت للمراقبة.
تقدم زوجي بخطوة وحاول أن يمسك بطرف غطاء السرير لكنه توقف عندما أمسكته نظراتي النابعة من ضعف وزلزال داخلي. كانت نظراتي تقول ما لا أستطيع نطقه لا تقترب. لقد تركتني أتعذب. لا شيء منك هنا الآن.
أراد أن يمد يده لكن ياسر وضع كفه بهدوء على يده ومنعه. قال بصوت صارم ومهذب
أعتقد أن أدب الزيارة هنا يختلف عن سلوك الشوارع سيدي. الرجاء احترام خصوصية المريضة.
اشتعل وجه زوجي بلون قاتم وتردد لوهلة ثم بادر بنبرة ساخطة
نعم هذه زوجتي! لي الحق..
الحق هنا متعلق برعاية صحية وقرار المريضة رد الطبيب بحزم. سأسمح للزيارة فقط إذا كانت المريضة موافقة.
كان صوت زوجي يفتعل قوة لم تكن بداخله حقا. تنهد وترك المكان لكنه لم يخرج بالكامل وقف في الممر وكأنه لم يقرر بعد ما سيدخله قلبه.
حين انقضى الغضب وتلاشى أنطلق الصوت الأكثر خوفا داخليا اين الطفل 
قال لي ياسر ببطء
طفله في طور الاستعادة الآن. سميناها ليان وقد نقلتها إلى العناية المركزة لحديثي. هي صغيرة لكنها قوية. سنبقيها تحت المراقبة. أما الاخر 
سكت. لم أحب أن أكمل ما لم يقله لكن عيناه كانت تقول لي الحقيقة بلا أدنى مواربة. لقد فقدناه وتم دفنه.
كنت أرتجف وأحاول أن أجمع شتات حواسي. شعرت بفراغ مدمر في صدري كأن جزءا مني انتزع بلا رحمة. دموعي كانت تثور ولكن كان هناك شيء آخر أيضا رغبة حارة في أن أعيش في أن أحيا لأجل تلك البقايا لأجل الطفلة الصغيرة التي لا تزال تتنفس وطفلتي الكبيرة حبيسه المنزل..
قلت بصوت خافت
أريدرؤيتها.
ابتسم ياسر بابتسامة خافتة محملة بالأمل والحزم معا
سأطلب الإذن لك فور أن تتحسن. الآن تحتاجين للراحة والتركيز على شفائك.
خلت الغرفة من الأصوات لبعض يسير. كنت أتلصص على الماضي بكل شيء فيه على تلك الساعة التي خطفت مني النوم على ظلمه على الخيانة. ووسط هذا الدمار ظهر رجل غريب قال لي شيئين لم يعطني إياهما أحد مند سنوات التعاطف والضمير.
حين خرج ياسر من الغرفة ليتصل بالممرضة سمعت صوتا آخر همسا خافتا من الممر أحتاج إلى معرفة من تكون هذه المرأة
ثم بصوت أهدأ لكن مفعما بعزيمة سأفعل كل ما أستطيع. لا تقلق.
لم أعد أعرف ما إذا كان الحديث موجها لي أو لليان التي لم أرها بعد. لكن شيئا واحدا بدا واضحا لم أعد وحدي في هذا العالم المخيف. وجوده جعل من الألم الذي ينهش قلبي أقل قتامة قليلا.
وفي أعماق قلبي بدأت بذرة صغيرة من الأمل تنبت أمل بالحياة أمل بالعدالة أمل بأن تلك الليلة الرهيبة لا تسيطر على مصيري حتى النهاية.
مرت الساعات ببطء ثقيل. كلما فتحت عيني شعرت بوهج ألم يشتعل في صدري وأسفل بطني. النظرات العابرة بين الممرضة والطبيب كانت تقول إن جسدي تعب كثيرا لكنهم يحاولون إخفاء ذلك بقدر ما يستطيعون.
في الزاوية كان زوجي جالسا أو بالأصح كان يراقب.
يديه مشدودتان عند فخذيه وكأنه يمنع نفسه من الانفجار.
كان يسمع الأطباء وهم يتحدثون عن وضعي لكنه لم ينبس بحرف واحد.
كان يحدق فيي بوجه لا أعرفه خليط من الغضب والخوف والخجل والحيرة.
كنت أميل إلى الجانب الآخر من السرير لا رغبة لي في رؤيته لا طاقة لدي لأتحمل ظله حتى.
كيف يمكن لإنسان أن يكون سببا لوجعي وفي الوقت نفسه يتظاهر بأنه مهتم
كان د. ياسر يدخل ويخرج يراقب حالتي يطمئنعلي يناقش الممرضة ويمنع زوجي من الاقتراب في كل مرة يحاول فيها التطفل.
لم يرفع صوته مرة واحدة ولكن كلماته كانت حادة بما يكفي لإيقاف السكين.
وأخيرا بعد عدة ساعات من الصمت وقف زوجي فجأة واقترب من السرير
وقف قريبا جدا حتى شعرت بظله فوقي كأنه سحابة سوداء تخنقني.
قال بصوت أجش
علينا أن نتحدث.
لم أرفع نظري إليه لم أرغب.
قلت بصوت مبحوح
ليس لدينا ما نتحدث عنه.
أنت زوجتي.
قالها وكأنه يذكر نفسه لا يذكرني.
رفعت رأسي ببطء التقت عيناي بعينيه لأول مرة منذ سنوات ورأيت شيئا لم أتوقعه رعب.
لم يكن منشغلا بي بل خائفا من نتيجة ما حدث من فكرة أن يلام من فكرة أن يخسر مكانته أمام الغرباء.
قلت له ببرود رغم الألم
كنت زوجتك على الورق فقط. أما في واقعك فأنت لم تعاملني يوما كإنسانة لا كزوجة ولا كأم لأولادك.
شهقت الممرضة بخفوت من قوة كلماتي بينما تجمد زوجي في مكانه.
ارتبك الحلقة ضاقت عليه فجأة.
قال بصوت منخفض
لم أقصد أن
قاطعته بقوة لم أتوقع أن أملكها
أنت لم تقصد أنت لم تقصد صفعتني لم تقصد رمي الطعام الساخن على وجهي لم تقصد تركي أموت على الأرض
لم يجد ما يقوله. كان كمن يتلعثم بين الحقيقة والكذب.
أبعدت وجهي عنه وقلت
اتركني وشأني. ما عدت أريد رؤيتك.
فتح فمه ليتكلم لكن د. ياسر دخل فجأة وكأن القدر استدعاه.
نظر إليه الطبيب نظرة واحدة فهم منها زوجي كل شيء
أخرج. الآن وبدون نقاش خرج.
بعد ساعات سمح لي الطبيب بالتحرك على كرسي متحرك لرؤية طفلتي.
الممر كان باردا وزجاج العناية المركزة يعكس وجهي الشاحب وعيناي المنتفختين من البكاء.
أشار الطبيب إلى حاضنة صغيرة داخل غرفة زجاجية.
هذه هي ليان.
اقتربت منها قلبي يخفق بفرح مؤلم.
كانت صغيرة جداأصغر من كفي.
أنفاسها ضئيلة صدرها يرتجف مع كل شهيق يداها مثل فراشة ترتعش فوق الورق.
وضعت يدي على الزجاج وابتسمت رغم الدموع
ابنتي صغيرتي
قال ياسر بهدوء
هي الآن أقوى بكثير مما كانت عليه عند وصولك. لديك طفلة تقاتل لتعيش مثلك تماما.
كان صوته يدفئني دون أن ينتبه هو لذلك.
كانت تلك أول مرة منذ زواجي أشعر فيها أن رجلا يقف إلى جانبي لا ليملكني بل ليحميني
عودة الظلام
عندما عدت إلى غرفتي وجدت رسالة قصيرة على الطاولة.
فتحتها دقات قلبي تسرع.
لن أسمح لك بأخذ الطفل. تعالي للمنزل غدا أو
لم يكمل التهديدكانت رسالة من زوجي.
اليد التي أمسكت الورقة ارتجفت. العالم بدأ يدور حولي من جديد.
لم يعد يهمه صحتي ولا الألم الذي مررت به ولا فقد أطفالي
كل ما يهمه هو السيطرة.
دموعي سالتلكن ليس خوفا.
بل شيئا آخر
شيئا كان يولد بداخلي ببطء الغضب.
الغضب الذي يولد القوة.
التيقظ.
الاستعداد للمواجهة.
صوت هادئ من الباب قال
هل أنت بخير
رفعت رأسي.
كان د. ياسر يقف عند الباب يمسك ملفا في يده لكن عينيه لم تكونا على الأوراقكانتا علي.
قلت له بصوت مرتعش
أخشى أن يعود ويؤذيني ويؤذي طفلتي أو ابنتي الكبري
اقترب وخفف صوتهلن أدع ذلك يحدث.
كيف
سألت بصوت خافت.
ابتسم ابتسامة صغيرة مليئة بالثقة
لأنك لم تعودي وحدك.
كانت تلك الجملة بداية شيء جديد.
شيء أقوى من الألم
أقوى من الخوف
وأقوى من الزوج الذي سيبدأ قريبا في فقدان سيطرته على كل شيء.
في الليلة نفسها لم أستطع النوم.
كانت رسالة زوجي المليئة بالتهديد تحاصر رأسي كصوت معدني حاد يضرب الجدران الداخلية لصدري.
كنت أرتجف ليس فقط خوفا منه بل خوفا من أن أفقد ابنتي إن حاول جري إلى منزله قبل أن أستعيد قوتي.
فيزاوية الغرفة كان الضوء الخافت ينعكس على جدران المستشفى.
أغمضت عيني محاولة تهدئة نفسي لكن الباب انفتح

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock