
خادمة الملياردير… وريثة القصر بقلم اسما السيد
فجأة.
دخل د. ياسر بخطوات هادئة يحمل ملفا طبيا وملامحه تبدو أكثر جدية من كل مرة.
اقترب وقال
بعد الممرضة قالت لي إنك تبدين مشوشة. هل حدث شيء
ترددت. لم أكن أريد أن أبدو ضعيفة.
لكنني لم أعد أستطيع حمل المزيد وحدي.
ناولته الورقة التي تركها زوجي.
وقفت الكلمات أمامه ثقيلة كأنها حجارة.
كان يقرؤها ببطء
ثم رفع رأسه فجأة وفي عينيه غضب هادئ لكنه مخيف.
هذا ليس مجرد تهديد هذا دليل إدانة.
حاولت التبرير كالعادة كأنني تعودت تقليص جريمته وتكبير خطئي
ربما كان غاضبا فقط لقد فقد طفل أيضا وربما
قاطعني بصوت ثابت لكنه مليء بحرقة
لا تبرري له بعد الآن. هذا رجل مؤذ وغير مستقر.
لم أقل شيئا.
كنت أعرف.
كنت أعرف ذلك منذ سنوات.
لكن معرفتي وحدها لم تكن تكفي لتغيير شيء.
اقترب خطوة كأنه يخشى أن يضغط علي أكثر مما يجب
إذا حاول الاقتراب منك أو من الطفلة سأبلغ الشرطة بنفسي. وهناك قوانين تحمي النساء من العنف الأسري. لن يستطيع إجبارك على العودة.
كلماته لمست منطقة داخلية لم يلمسها أحد قبل المنطقة التي طالما شعرت أنها لا تستحق الحماية.
المنطقة التي تعلمت فيها أن الألم ثمن الزواج وأن الصمت هو اللغة الوحيدة التي يسمح لي باستخدامها.
تنفست بعمق وقلت
هل هل يمكنه أخذ الطفلة مني
اهتزت عينا ياسر باستنكار
لا. ليس من حقه. خصوصا بعد الحالة الصحية التي وصلت بها للمستشفى. أي قاض سيعتبره خطرا عليك وعلى الطفلة.
ثم أضاف بصوت منخفض كأنه يطمئن طفلة صغيرة أحست بالبرد
أعدك لن يأخذ منك أي شيء بعد الآن.
في صباح اليوم التالي دخل زوجي إلى المستشفى دون إذن.
كان يمشي بين الممرضات بثقة مزيفة كأن المكان ملك له.
طرق باب غرفتي بعنف ثم دفعه وفتح دون انتظار إجابة.
صرخت الممرضة خلفه
سيدي! لا يمكنك الدخول بهذه الطريقة!
لكنه تجاهلها تماما.
تقدم نحوي بخطوات سريعة.
شعرت بالدم يتجمد في عروقي.
انهضي.
قالها بصوت خافت لكنه مليء بتهديد خبيث.
لم أرد.
قلت انهضي!
تقدم خطوة نحو السرير.
لكن الباب انفتح فجأة
ود. ياسر دخل مثل عاصفة هادئة واضحة الخطى لا تحتاج للصراخ كي تخيف.
توقف هناك.
قالها بنبرة منخفضة لكنها كافية لإيقاف وحش.
التفت زوجي بصوت خشن
وهل سأتلقى الأوامر من طبيب هذه زوجتي وأنا
هي مريضة تحت رعايتي.
قالها ياسر وهو يقف بينه وبينيولن تقترب منها إلا بموافقتها.
ضحك زوجي بسخرية مرة
موافقتها لا شأن لها بالموافقة. هي زوجتي وأعرف ما يناسبها.
قال ياسر ببطء وعلى وجهه ملامح رجل اعتاد التعامل مع الموتى والمجانين ولم يعد يخاف
سأقولها للمرة الأخيرة اخرج.
أظن أن زوجي لاحظ أخيرا أن هذا الرجل ليس طبيبا فقط
بل جدارا صلبا لن ينكسر.
قال له ياسر
إن لم تغادر فورا سأبلغ الأمن. وإن لم يكف ذلك سأبلغ الشرطة. وهناك ما يكفي من الأدلة لفتح تحقيق جنائي ضدك.
لأول مرة رأيت الخوف الحقيقي في عيني زوجي.
ليس خوفا علي بل خوفا من الفضيحة من خسارة سمعته من مواجهة رجل أقوى منه.
حدق في لحظة نظرة غريبة نظرة رجل أدرك فجأة أنه بدأ يفقد السيطرة التي اعتاد عليها.
أدار ظهره وخرج من الغرفة صافقا الباب بعنف.
لم أتنفس حتى اختفى صوته من الممر.
أنه الأمان للمرة الأولاقترب ياسر مني.
قال بصوت منخفض فيه دفء لم أعرفه من قبل
أنت الآن بأمان.
لم أحتمل
انفجرت باكية بحرقة كأن السنوات كلها خرجت دفعة واحدة.
سقوط الطفلين العنف الجوع العذاب الخوف الوحدة
كلها سالت على خدي.
جلس قرب السرير دون أن يلمسني لكن قربه وحده كان يكفيني.
وجوده بدا كأن أحدا وضع حائطا قويا بيني وبين العالم الخارجي.
قال
لن أسمح له بإيذائك مرة أخرى. لن تعودي لذلك البيت. وسأساعدك في كل الإجراءاتالقانونية فقط دعيني أقف معك.
رفعت رأسي نحوه وعيناي غارقتان بالدموع.
لم أقل نعم.
لم أقل لا.
لكن قلبي
ارتجف بطريقة لم يفعلها من قبل.
بعد خروجه جاءت الممرضة تحمل ملفا متقدما بختم المستشفى.
قالت وهي تضعه على الطاولة هذه نتائج فحوصاتك وهناك شيء يجب أن تريه.
فتحت الملف وقرأت السطر الأول
السابقة المرضية الأم كانت ضمن دار الرعاية قبل 18 عاما
تجمدت يدي.
دار رعاية
همست لنفسي لم أفكر في الماضي كثيرا
كنت أعلم أنني تبنيت من دار رعاية منذ الطفولة لكن لم أكن أعرف شيئا عن أمي الحقيقية ⁶
ثم قالت الممرضة بهدوء
هناك أيضا وصية.
رفعت نظري إليها بفزع
وصية من!
ابتسمت بحزن
من والدتك.
توقفت أنفاسي.
هذا الملف وصلنا منذ سنوات لكن لم يستطع أحد العثور عليك. يبدو أن المستشفى احتفظ به بسبب خطأ إداري لكنه الآن بين يديك.
فتحت الممرضة الملف
وظهرت ورقة صفراء قديمة مختومة بختم قانوني.
إلى ابنتي
إن لم أستطع رؤيتك فأرجو أن يعيدك القدر إلى ما تبقى من حقي ومن حقك تجمدت.
العالم الذي ظننته محدودا
الفقر الذي ظننته قدري الوحيد
البيت الذي سجنت فيه
كله بدأ يتصدع من الأساس.
الممرضة قالت بخفوت
يبدو أن لك إرثا كبيرا لم يخبرك أحد عنه.
رفعت يدي إلى فمي
وشعرت بأن حياتي كلها كانت كذبة كبيرة.
كانت الورقة بين يدي ترتجف كما لو أن نبضي انتقل إليها.
وصية كلمة ثقيلة لا تقال إلا عندما يترك أحدهم شيئا ثمينا شيئا لا يريد أن يضيع شيئا يخصني أنا.
مسحت دموعي بأطراف أصابعي المرتجفة وفتحت الورقة بحذر.
الخط كان أنثويا منسوبا لامرأة لم أرها يوما
لكن قلبي يعرفها دون أن يراها.
إلى ابنتي
إن وصلتك هذه الرسالة فاعلمي أنني لم أتخل عنك.
كنت خائفة كنت مريضة وكانوا يطاردونني بسبب ما تركه والدك لي.
أرجو أن يعيدك القدر إلى الحق الذي سرقمنك.
رفعت نظري إلى الممرضة.
من كان والدي
هزت رأسها بخفوت
لا نملك معلومات كافية. لكن هناك محام كان يبحث عنك منذ سنوات اسمه عادل الهمامي. ترك رقما قديما وعنوانا ولم ينجح في الوصول إليك.
قبل أن أسألها المزيد سمع طرق خفيف على الباب.
فتحته الممرضة
ودخل د. ياسر.
لكن تعبير وجهه لم يكن كما هو دائما.
كان يحمل شيئا جديدا شيء يشبه الصدمة.
هل أنت بخير سألني وهو ينظر إلى الورقة في يدي.
هززت رأسي ببطء.
وجدت شيئا عن أمي.
أعطيته الورقة.
قرأها بحذر ثم تنفس بعمق وغلقها بلطف على الطاولة.
هذا يغير الكثير. قالها بجدية.
سألته
ماذا يعني
جلس على الكرسي بجانب السرير يضع معطفه جانبا كأنه يستعد لحديث طويل
أولا وجود وصية يعني أن هناك ممتلكات أو أموال أو حقوق لم تسلم لك.
ثانيا ذكرها أن أحدا كان يطاردها بسبب الإرث يعني أن هناك أشخاصا استفادوا من غيابك.
وثالثا وهذا المهم أنت لست المرأة التي يريد زوجك إقناعك بأنك هي.
قلت وأنا أبتلع ريقي
ماذا يعني
أجاب بثقة
أنت لست فقيرة. ولا بلا أصل. ولا بلا حق.
أنت امرأة سرقوا منها كل شيء وجعلوها تعيش في العذاب كي لا تكتشف الحقيقة.
كانت كلماته كسكين تفتح جرحا لكنها تجعل الدم الفاسد يخرج ليستطيع الجسد أن يتنفس.
زيارة غير متوقعة
بعد دقائق طرق أحدهم الباب.
الممرضة فتحت وتفاجأت.
كان رجلا يرتدي بدلة رسمية يحمل حقيبة جلدية ومحفظة مستندات.
ملامحه توحي بأنه اعتاد الوقوف في المحاكم.
قال بهدوء
أبحث عن الأنسة التي كانت تدعى في دار الرعاية نور الهادي. شعرت بأن الأرض تميل بي.
ذلك كان اسمي قبل الزواج
قبل أن يأخذني زوجي من دار الرعاية
قبل أن يشطب اسمي وهويتي.
أنا نور. قلت بصوت يكاد لا يسمع.
ابتسم الرجل وكأنه وجد ضالته بعد سنوات.
أنا المحامي عادل الهمامي. كنت أبحث عنك منذثمانية عشر عاما.
نظر إلي د. ياسر بدهشة
ثمانية عشر عاما!
أجاب المحامي
نعم. والدتك رحمها الله كانت وريثة لاسم كبير وثروة أكبر.
لكنها ماتت قبل أن تصل إليك الرسالة





