
18 طبيبًا فشلوا… وطفل فقير اكتشف السر في حلق ابن الملياردير!
ما هذا بحق العالم لا أصدق أنه استطاع إخراجها. هذا مستحيل.
مرت دقائق. لم يتكلم أحد. كان الصوت الوحيد هو صفير جهاز مراقبة القلب المنتظم. ثم أمال جايلن رأسه قليلا. اقترب أكثر. تضايقت عيناه وهو يدقق النظر.
هناك همس.
ماذا تقدمت الدكتورة مونرو خطوة للأمام.
ماذا رأيت
أشار جايلن إلى حلق إليوت.
هناك خطب ما في ذلك الموضع.
طريقة حركة حلقه عندما تساعده الآلة على التنفس ليست سلسة. هناك نتوء صغير تردد بسيط كأن شيئا يقف في الطريق.
قطبت الدكتورة مونرو حاجبيها.
لقد فحصنا حلقه مرات عديدة. أجرينا تنظيرا وصور أشعة وكل شيء.
لكن هل فحصتم هناك تحديدا أشار جايلن بدقة أكبر.
هناك عند موضع انحناء الحلق حيث يصعب على الكاميرا أن ترى جيدا.
تبادل الأطباء النظرات.
وفجأة صرخت الآلة.
بدأت كل شاشات العناية المركزة تومض بالأحمر. انطلقت صفارات الإنذار تشق الهواء كألف صوت يبكي في وقت واحد. ركضت الممرضات متزاحمات وأصوات أحذيتهن تصفر فوق الأرضية البيضاء الباردة.
وفي قلب كل هذا الجنون وقف طفل صغير.
كان في العاشرة من عمره. أكمام ثيابه ممزقة. وحذاؤه مثقوب. لا ينتمي إلى هذا المكان الذي لا يدخله عادة إلا الأثرياء والأطباء المشهورون. لكن عينيه كانتا ثابتتين على السرير على الطفل الراقد هناك بلا حركة يتنفس بصعوبة بالكاد.
ثمانية عشر طبيبا فشلوا.
ثمانية عشر من أفضل العقول الطبية في العالم نظروا إلى هذا الطفل المحتضر ثم انسحبوا بلا إجابة وبوجوه مشوشة.
وقف الأب الملياردير في الزاوية ووجهه مبلل بالدموع. بدلته الفاخرة متجعدة وشعره المرتب عادة صار فوضى. كان قد عرض مئة مليون دولار لمن ينقذ ابنه ولم يستطع أحد حتى الآن.
اقترب الطفل الفقير خطوة من السرير.
راقبه الجميع. لم يمنعه أحد. ربما لأنهم كانوا مرهقين جدا. ربما لأنهم استسلموا. وربما لأن شيئا في أعماقهم كان ما يزال يتشبث بمعجزة.
انحنى الطفل. فتح فم الصبي المحتضر. ثم وبأصابع ثابتة أدخل يده إلى الداخل وأخرج شيئا صغيرا شيئا جعل كل طبيب في الغرفة يلهث من الصدمة.
لنعد إلى صباح الثلاثاء الماطر قبل ثلاثة أسابيع حين استيقظ رجل اسمه فنسنت أشفورد وهو يعتقد أن حياته كاملة. وكان مخطئا.
كان فنسنت أشفورد واحدا من أغنى رجال أمريكا. شركته تبني مستشفيات. مؤسسته تمول مدارس. وجهه يظهر على أغلفة المجلات وتحت صورته كلمات مثل صاحب رؤية وعبقري. كان يعيش في منزل ضخم حتى إن له اسما خاصا.
قصر أشفورد كان قائما على تل يطل على مدينة تشارلستون في ساوث كارولاينا. سبعة وأربعون غرفة ومسبح يبدو كأنه بحيرة وحدائق تمتد أبعد مما يستطيع معظم الناس قطعه في ساعة.
كان فنسنت يملك كل مايشتريه المال لكن الشيء الذي أحبه أكثر من كل شيء لم يكن يشترى. ابنه إليوت أشفورد.
كان إليوت في الثانية عشرة. لديه شعر أبيه الداكن وعينا أمه الطيبتان. ذكي مرح رقيق القلب. لم يتباه يوما بثراء عائلته. ولم يعامل أحدا كأنه أقل شأنا منه.
كل صباح كان فنسنت يتناول الإفطار مع إليوت قبل أن يذهب إلى العمل. يتحدثان عن المدرسة عن الكتب عن الأحلام. وذلك الثلاثاء الماطر لم يكن مختلفا.
قال إليوت وهو يحرك بيضه المخفوق في الطبق
أبي هل يمكنني أن أسألك شيئا
رفع فنسنت نظره من الجريدة.
أي شيء.
لماذا بعض الأطفال بلا بيوت
فوجئ فنسنت. أنزل الجريدة.
ماذا تقصد
رأيتهم أمس. عندما مررنا بوسط المدينة كان هناك أطفال يقفون خارج تلك الكنيسة القديمة. كانوا يبدون بردى وجوعى.
صار صوت إليوت أهدأ.
كانوا يبدون كأن لا أحد يهتم بهم.
شعر فنسنت بشيء يلتف في صدره.
نعم لقد رآهم هو أيضا. رآهم مرات كثيرة لكنه كان دائما يدير نظره بعيدا.
الأمر معقد يا بني.
هذه هي العبارة التي يقولها الكبار عندما لا يريدون الإجابة.
فتح فنسنت فمه لكنه لم يجد كلمات. كان ابنه محقا. كان أسهل أن يسمي الأشياء معقدة من أن يفعل شيئا حقيقيا.
قال إليوت
ربما يمكننا مساعدتهم. نحن نملك الكثير وهم يملكون القليل. ألا يعني ذلك أننا ينبغي أن نشارك
قبل أن يجيب فنسنت اهتز هاتفه. اجتماع اجتماع مهم مال يكسب صفقات توقع.
سنتحدث عن هذا لاحقا قال وهو ينهض ويقبل إليوت على جبينه.
أعدك.
لكن لاحقا لم يأت أبدا.
لأن بعد ثلاث ساعات من ذلك الإفطار تلقى فنسنت اتصالا حطم عالمه بالكامل.
انهار إليوت في المدرسة.
وعندما وصل فنسنت إلى المستشفى كان ابنه بالفعل في غرفة الطوارئ. الأطباء يحيطون به والآلات تصدر صفيرا والأنابيب والأسلاك متصلة بجسده الصغير وكأنه آلة مكسورة.
ماذا حدث صرخ فنسنت. صوته يرتجف. يداه ترتعشان.
ما خطب ابني
تبادل الأطباء نظرات تلك النظرات التي تعني أنهم لا يعرفون. النظرات التي تقول هذا سيئ.
قال الطبيب المسؤول
لقد انهار فجأة. بلا أي إنذار بلا تاريخ مرضي دقيقة كان بخير ثم صار على الأرض.
أصلحوه صرخ فنسنت.
لا يهم كم سيكلف. أصلحوه.
لكن الأيام مرت ولم يتحسن إليوت.
بل ساء.
لم يعد يأكل. لم يعد يتكلم. بالكاد يفتح عينيه. صار جلده شاحبا ثم رماديا. تنفسه صار سطحيا كأن كل نفس قد يكون الأخير.
استقدم فنسنت اختصاصيين من نيويورك ومن لوس أنجلس ومن لندن وطوكيو ومن كل مكان.
فحص كل واحد منهم إليوت. أجرى كل واحد اختبارات. هز كل واحد رأسه وقال الكلمات نفسها الكلمات الرهيبة
لا نعرف ما الذي يسبب هذا.
كان فنسنت أشفورد قد قضى حياته كلها في حل المشكلات.
بنى إمبراطوريتهلأنه كان أذكى وأسرع وأكثر إصرارا من الجميع.
لكن هذه المشكلة لم تحل بالمال ولا بالنفوذ ولا بالإصرار.
ابنه كان يموت ولا أحد يعرف السبب.
وفي تلك العتمة اتخذ فنسنت قرارا سيغير كل شيء. ليس لأنه كان يعلم أنه سيغيره بل لأنه كان يائسا.
قرر أن يذهب إلى المكان الذي كان قلب ابنه فيه قبل أن ينهار كل شيء الكنيسة القديمة في وسط المدينة تلك التي رأى عندها الأطفال بلا مأوى.
لم يكن يعرف لماذا يذهب. ربما بحثا عن إجابات. ربما بحثا عن سكينة. ربما لأنه أراد للحظة أن يرى العالم بعيني ابنه.
كانت الكنيسة أصغر مما تذكر. طلاءها متقشر. نوافذها متشققة. لكن داخلها كان دافئا ونظيفا وممتلئا بشيء نسي فنسنت أنه موجود
الأمل.
كانت امرأة مسنة تقف في المقدمة توزع شطائر على صف من الأطفال. شعرها أبيض كالثلج. وجهها مليء بالتجاعيد كأنه خريطة سنوات طويلة لكن عينيها كانتا تلمعان بنور جعل فنسنت يتوقف.
قالت له
تبدو تائها.
قال بصدق لم ينطقه منذ أسابيع
أنا تائه.
ابتسمت.
إذن جئت إلى المكان الصحيح.
كان اسمها الجدة روث.
هذا ما كان الجميع ينادونها به رغم أنها لم تكن جدة لأحد منهم بالدم.
كانت تدير هذا الملجأ منذ اثنين وثلاثين عاما. أطعمت آلاف الأطفال الجائعين. واحتضنت آلاف الباكين. وآمنت بآلاف المنسيين.
ومن بين هؤلاء جميعا كان هناك طفل واحد يختلف عن الآخرين.
اسمه جايلن. عمره عشر سنوات. لا أم لا أب لا عائلة على الإطلاق.
عثر عليه وهو رضيع ملفوف ببطانية رقيقة ترك على درج هذه الكنيسة نفسها. ربته الجدة روث كأنه ابنها.
وكان جايلن مختلفا.
ليس بشكل سيئ بل بشكل يصعب شرحه.
كان يلاحظ أشياء صغيرة لا يلاحظها الآخرون كيف يميل الطائر رأسه قبل أن يطير كيف لا تتطابق ابتسامة شخص مع عينيه كيف ترتد الأصوات عن الجدران في أنماط تحكي قصصا.
اعتبره البعض غريبا. ورآه البعض مميزا.
وكانت الجدة روث تعرف أنه الاثنين معا.
في اليوم الذي دخل فيه فنسنت أشفورد الكنيسة كان جايلن يجلس في الزاوية يقرأ كتابا طبيا تبرع به أحدهم. كان أعلى بكثير من عمره لكنه كان يقرأه على أي حال يتهجى الكلمات الكبيرة ويحاول فهم أسرار الجسد البشري.
رفع عينيه حين مر فنسنت. التقت نظراتهما للحظة ومر بينهما شيء لم يفهمه أي منهما بعد.
تحدث فنسنت مع الجدة روث ساعة كاملة. أخبرها عن إليوت عن مرضه عن الأطباء الذين فشلوا عن الأمل الذي يتسرب من بين يديه.
استمعت روث دون أن تقاطعه.
وعندما انتهى أمسكت يديه بيديها.
قالت
ابنك يبدو روحا جميلة والروح الجميلة تجد طريقها حتى في أحلك الغابات.
أراد فنسنت أن يصدقها. أراد أن يصدق بالمعجزات والأمل وكل ما توقف عن الإيمان به منذزمن. لكنه لم يستطع.
قال وهو ينهض
ينبغي أن أذهب. شكرا لأنك استمعت.
وعندما اتجه إلى الباب أوقفه صوت صغير.
عذرا يا سيدي.
استدار فنسنت. كان الطفل الذي في الزاوية صاحب الكتاب الطبي.
نعم
أخذ جايلن نفسا عميقا.
سمعتكم تتحدثون عن ابنكم وعن أن الأطباء لا يعرفون ما به.
قطب فنسنت حاجبيه.
كنت تستمع
لم أقصد. الصوت ينتقل هنا قال جايلن وهو ينظر إلى قدميه.
أردت فقط أن أقول أنا آسف. آسف لأن ابنك مريض. أتمنى أن يتحسن.
صدق الطفل لمس شيئا عميقا داخل فنسنت.
جثا فنسنت حتى صار بمستوى عيني جايلن.
شكرا قال.
هذا يعني أكثر مما تتخيل.
هز جايلن رأسه ثم قال بهدوء شديد كلمات لم يفهمها فنسنت إلا لاحقا
أحيانا تكون الإجابة مختبئة في المكان الذي لا يفكر أحد أن يبحث فيه.
نظر فنسنت إليه طويلا ثم نهض وخرج من الكنيسة وقاد سيارته إلى المستشفى.
لم يفكر بكلمات جايلن في تلك اللحظة لكنه سيفعل. لأن في تلك الليلة نفسها حدث شيء جعل الجميع يدركون مدى اليأس الذي وصلوا إليه.
اتصلت المستشفى في الساعة الثالثة وسبع وأربعين دقيقة فجرا.
أجاب فنسنت من أول رنة. كان قد توقف عن النوم. لا يستطيع أن ينام. كلما أغلق عينيه رأى وجه إليوت يبهت أكثر.
قال الطبيب بصوت مرتجف
سيد أشفورد عليك أن تأتي حالا.
ماذا حدث
صمت أسوأ أنواع الصمت.
ابنك توقف عن التنفس.
ركض فنسنت كأنه لم يركض في حياته. ضربت أحذيته الفاخرة أرضية المستشفى. احترقت رئتاه. دق قلبه حتى سمعه في أذنيه.
قفزت الممرضات بعيدا عن طريقه ولم يحاول رجال الأمن منعه. الجميع يعرف من هو ويعرف لماذا يركض.
اندفع إلى وحدة العناية المركزة وهناك كان إليوت محاطا بالأطباء والآلات أنبوب في حلقه وممرضة تضغط على صدره.
صرخ أحدهم
ابتعدوا!
ارتج جسد إليوت الصغير مع صدمة كهربائية.
انهار فنسنت على الحائط. لم تعد قدماه تحملانه. انزلق إلى الأرض وهو يرى غرباء يقاتلون ليعيدوا ابنه للحياة.
مرة أخرى
ابتعدوا!
صدمة أخرى.
ثم لحظة سكون مرعبة.
ثم صفير واحد جميل على جهاز القلب.
ثم آخر ثم آخر.
كان إليوت حيا.
بصعوبة لكنه حي.
اقترب الطبيب المسؤول رجل يدعى الدكتور باترسون من فنسنت. وجهه رمادي من الإرهاق. يداه ترتجفان.
قال بهدوء
أعدناه لكن يا سيد أشفورد يجب أن أكون صريحا. لا يمكننا الاستمرار هكذا. أيا كان ما يهاجم جسده فهو يشتد ونحن لا نعرف ما هو.
رفع فنسنت رأسه.
إذن اعرفوه.
قال باترسون وصوته يتشقق
لقد جربنا كل شيء. كل اختبار كل تصوير كل إجراء معروف في الطب الحديث. أنا طبيب منذ واحد وثلاثين عاما ولم أر شيئا كهذا.
لا بد أن هناك شيئا تفوتونه.
لم يرد باترسون. اكتفى بالنظر إلى سرير إليوت بعينين حزينتين.
في تلك الليلة لم يغادر فنسنت المستشفى.
أحضر كرسيا وجلس قرب سرير ابنه وأمسك يده الباردة. أخذ يتحدث إليه رغم أنه لا يجيب. حكى له عن أيام طفولته





