
قصة ابكت العالم
خفضت رأسي وكأن صاعقة نزلت علي. لم أتمالك دموعي وتذكرت الرجل الأعمى الذي سخرت منه في السوق. سبحان الله.. كما تدين تدان!
مضيت لرؤية زوجتي. كانت صابرة مؤمنة لم تحزن أو تتذمر بل كانت تردد دائما لا تغتب الناس يا راشد.. لا تسخر منهم سيأتيك يوم تحاسب فيه.
خرجنا من المستشفى ومعنا سالم لكن الحقيقة أني لم أكن أراه كجزء من العائلة. تجاهلته واعتبرته غير موجود. كانت زوجتي تهتم به كثيرا أما أنا فلم أستطع أن أحبه.
بدأ سالم يحبو وكانت حبوته غريبة ولما بلغ عامه الأول اكتشفنا أنه أعرج. صار الأمر أثقل على نفسي. أنجبت زوجتي بعده طفلين عمر وخالد. كبر سالم وكبرت همومي معه. لم أكن أطيق الجلوس في المنزل كنت أهرب إلى أصدقائي وهمفي الحقيقة من أفسدني.
لم تيأس زوجتي من إصلاحي كانت تدعو لي دائما بالهداية وتحتمل تقصيري دون أن تغضب لكنها كانت تتألم حين ترى إهمالي لسالم واهتمامي المفرط بباقي إخوته.
كبر سالم والتحق بإحدى المدارس الخاصة بذوي الاحتياجات. لم أشعر بمرور السنين حياتي كانت نوما طعاما وسهرا.
وفي أحد أيام الجمعة استيقظت متأخرا كعادتي لبست وتعطرت وهممت بالخروج
لحضور وليمة. مررت بالصالة فاستوقفني صوت بكاء سالم. لأول مرة منذ عشر سنوات أسمعه يبكي بهذا الشكل. حاولت تجاهله لكني لم أستطع.
دخلت غرفته وسألته
سالم! لماذا تبكي
توقف عن البكاء فجأة وكأنه يقول الآن فقط شعرت بي أين كنت طوال السنوات الماضية
رفض أن يخبرني لكني تلطفت معه ومسحت دموعه فبدأ يتكلم
تأخر علي أخي عمر ولم يأت ليأخذني إلى المسجد.. أخاف أن تفوتني صلاة الجمعة ولا أجد مكانا في الصف الأول.
تسمرت في مكاني وتذكرت أني لم أدخل المسجد منذ سنوات. قلت له
سالم لا تحزن. اليوم أنا من سيأخذك إلى المسجد.
دهش وقال ببراءة
حقا هل تسخر مني!
قلت
لا بل والله أنا من سيذهب بك.
رفض أن أوصله بالسيارة وأصرعلى المشي
أريد أن أخطو إلى المسجد يا أبي.
دخلنا المسجد وكان ممتلئا بالمصلين. لكني وجدت له مكانا في الصف الأول. جلس بجانبي بل الحقيقة أني أنا من صلى بجانبه.
بعد الصلاة طلب مني مصحفا. استغربت
كيف تقرأ وأنت أعمى!
ناولته المصحف فطلب مني أن أفتحه على سورة الكهف ثم وضعه أمامه وبدأ يتلوها عن ظهر قلب وعيناه مغمضتان.
يا الله! لقد حفظ سورة الكهف كاملة!
خجلت من نفسي أمسكت مصحفا وبدأت أقرأ ولم أشعر إلا وأنا أبكي كطفل. كان بعض المصلين لا يزالون في المسجد فحاولت كتمان بكائي لكن النشيج خانني.
قلت في نفسي
لست أنت الأعمى يا سالم بل أنا.. أنا الذي كنت
أعمى عن النور والهداية.
عدنا إلى المنزل وكانت زوجتي قلقة. فلما علمت أني صليت مع سالم بكت لكنها دموع فرح هذه المرة.
منذ ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة. هجرت رفاق السوء ووجدت في المسجد رفقة صالحة ذقت معهم طعم الإيمان وأدمنت القرآن والذكر.
أصبحت قريبا من أسرتي وأشرقت الابتسامة على وجه سالم. من يراه اليوم يظن أنه يملك الدنيا وما فيها.
أما أنا فكلما نظرت إليه حمدت الله ألف مرة على نعمته وطلبت المغفرةعلى سنين أضعتها في الغفلة والسخرية.





