
قالوا له: افتح الخزنة وخذ 100 مليون… ولم يتوقعوا ما حدث
بل استثمارا.
أما الصبي فقد عاد إلى مدرسته لكن بعينين مختلفتين.
لم يعد ينحني.
لم يعد يخجل من حذائه البالي.
صار يعرف أن القيمة لا تقاس بالثمن.
وفي إحدى الأمسيات جلس مع أمه على طاولة صغيرة في شقتهما المتواضعة.
قالت له
كنت خائفة عليك.
ابتسم وقال
وأنا كنت خائفا عليك أكثر.
سكت لحظة كأن الكلمات أثقل من أن تقال دفعة واحدة ثم أضاف بصوت خافت لكنه واثق
لكن أبي كان سيبتسم لو رآنا اليوم.
رفعت إلينا عينيها إليه ولم تقل شيئا.
لم تحتج إلى الكلام.
كانت دموعالفخر في عينيها أبلغ من أي عبارة دموع امرأة عاشت سنوات وهي تنحني لتقف أخيرا مرفوعة الرأس بفضل ابنها.
مدت يدها وربتت على كتفه كما كانت تفعل حين كان صغيرا ويخاف من الظلام.
لكن الظلام هذه المرة لم يكن غرفة مظلمة بل عالما كاملا قاسيا تعلم ابنها كيف يواجهه دون أن يفقد إنسانيته.
أما ماتيو فقد تغير ببطء.
لم يحدث التحول في ليلة واحدة
ولم يخرج من مكتبه فجأة رجلا آخر.
لم يصبح قديسا.
لم يتخل عن ثروته.
لم يوزع أمواله اعتذارا عما مضى.
لكن شيئا داخله انكسر.
وانفتح.
كان كسرا صامتا لا يسمعه أحد
لكن أثره كان عميقا.
صار يسأل عن الموظفين لا عن أرقامهم بل عن أسمائهم.
صار يعرف من لديه طفل مريض ومن يعمل ليلا ونهارا ومن يخفي تعبه خلف ابتسامة مجاملة.
صار يسمع أكثر مما يتكلم ويلاحظ أكثر مما يأمر.
صار لأول مرة يفكر في معنى السلطة
وهل هي القدرة على الإهانة
أم القدرة على التغيير
وفي كل مرة نظر إلى خزنته
تلك الخزنة التي كانت رمز قوته وغروره
تذكر اللحظة التي تحولت فيها من درع يفاخر به
إلى مرآة كشفت ضعفه.
لميعد يراها حصنا للمال
بل شاهدا على درس قاس.
تذكر أن أغلى درس في حياته
لم يكن صفقة رابحة
ولا استثمارا ذكيا
ولا رقما تضخم في حساباته.
بل كان طفلا فقيرا
وقف حافي القدمين
مرفوع الرأس
ورفض أن يهان.
طفلا لم يصرخ
لم يتسول
لم ينتقم
بل اختار أن يعلم.
علمه أن القيمة لا تشترى.
وأن المال لا يصنع الإنسان.
وأن السلطة حين تستخدم للإذلال تتحول إلى فضيحة.
ذلك الدرس
لم يوقع عليه عقد
ولم يسجل في دفاتر الحسابات
ولم يدفع مقابله شيء.
ومع ذلك
كان أثمن ما تلقاه ماتيوفي حياته كلها.
درس لم يدفع فيه سنتا واحدا
لكنه غير كل شيء.





