
قالت عني فقيرة ومنعتني من زفافها… لكن عندما رآني العريس انحنى أمامي وانقلبت القاعة رأسًا على عقب
عن نفسي ولم أجبر الحقيقة على الظهور ولم أرفع صوتي كي أسمع أحدا من أكون الحقيقة خرجت وحدها كما تفعل دائما حين يترك لها الوقت الكافي
أدركت في تلك اللحظة أن أقسى ما يفعله الإنسان بنفسه هو أن يعيش عمره كله محاولا إقناع الآخرين بقيمته بينما القيمة الحقيقية لا تحتاج إلى إعلان ولا إلى لافتة ولا إلى شهود إنها تظهر في المواقف في الصبر الطويل في القدرة على الصمت حين يكون الكلام سهلا وفي الثبات حين يكون التنازل عن المبادئ هو الطريق الأقصر
فالحياة عاجلا أم آجلا تدور دورتها الكاملة لا تترك ظلما بلا كشف ولا غرورا بلا اختبار ولا تواضعا بلا تقدير تمنح كل إنسان فرصته العادلة ليرى على حقيقته لا كما يريده الآخرون ولا كما تحاول الصور الزائفة أن تصوره بل كما هو فعلا بأخلاقه وباختياراته وبطريقة تعامله حين لا يكون تحت الأضواء
وفي ذلك اليوم وسط زفاف امتلأ بالمظاهر والبريق والأحاديث عن المكانة والأسماء أدرك الجميع وربما أدركت أنا قبلهم أن الثروة الحقيقية لا ترتدى في هيئة فساتين فاخرة ولا تعلن في قاعات مزدحمة ولا تقاس بالأرقام ولا بالألقاب الثروة الحقيقية تجسد في الكرامة في الهدوء في القدرة على أن تبقى إنسانا سويا لا يتغير قلبه حين تتغير الظروف
تعلمت أن الاحترام لا ينتزع بل يمنح تلقائيا لمن يستحقه وأن التواضع ليس ضعفا كما يظنه البعض بل هو أعلى درجات القوة وتعلمت أيضا أن الصمت في الوقت المناسب أبلغ من ألف خطاب وأن ترك المسافة بينك وبين من يسيء الظن بك أحيانا هو أرقى أشكال الرد
عدت إلى منزلي تلك الليلة وأنا أخف مما جئت كأن عبئا قديما سقط عن صدري عبء لم أكن أدرك وجوده إلا بعد أن زال لم أعد معنية بنظرات المقارنة ولا بأحكام التصنيف ولا بمحاولات التقليل فقد فهمت أخيرا أن من يرى بعينيه فقط سيظل أسير المظهر أما من يرى بقلبه فسيعرف الجوهر ولو تأخر
وهكذا تركت ذلك اليوم خلفي لا كذكرى انتصار بل كدرس عميق درس علمني أن الزمن هو الحكم الأصدق وأن الصدق مع النفس هو الطريق الأقصر للسلام وأن الكرامة حين تصان في الخفاء تشرق يوما ما
في العلن دون أن تطلب الإذن من أحد





