قصص قصيرة

وهمـا بيغسلوها جسمها كله بقي ينـزل نمل حكايات اسما السيد

قپرها بعد أن عرف كل شيء لم يبك كثيرا بل قال بهدوء موجع.
سامحك الله لأنك حملت الذنب كله وحدك وتركت لنا الحقيقة متأخرة.
وظل قپرها صامتا لا علامة عليه لأن بعض القصص لا تحتاج شاهدا سوى من فهمها بعد فوات الأوان.
من وجهة نظر الابن كانت الحكايه اوجعتعالوا اسمعوها
لم أبك حين قالوا إنها ماټت لأن البكاء يحتاج علاقة واضحة وأنا لم أعرف يوما ما علاقتي بها بالضبط هل كانت أمي أم كانت سقفا واطئا عشت تحته دون أن أرفع رأسي كثيرا أم كانت مجرد ظل طويل التصق بطفولتي حتى صارت له هيئة امرأة تمشي أمامي ولا تلتفت.
كبرت في بيتها لا في حضنها ولم أشعر يوما أنني كنت طفلا يحتضن بل كنت عبئا صامتا تطعمه وتلبسه وتجلسه في الزاوية وتغلق عليه الباب إذا جاءها زائر لأن وجودي كان دائما شيئا يجب شرحه أو إخفاؤه ولم تكن تشرح ولم تكن تخفي بل كانت تصمت وكأن الصمت حل جاهز لكل الأسئلة التي لم أكن أعرف كيف أطرحها.
كنت أسمع الناس ينادونها بالاسم ثم يهمسون بعده مباشرة وكنت أعرف أن الهمس عنها لا يشبه الهمس عن غيرها وأن الأطفال حين يسحبون من يدي في الطريق لا يسحبون لأنني سيئ بل لأنني ابن تلك المرأة التي يقولون إنها ټخطف الأطفال وحين كنت أعود إلى البيت محملا بالخۏف لا بالڠضب لم تكن تسألني ماذا حدث بل كانت تكتفي بالنظر إلي طويلا وكأنها تعرف مسبقا كل ما لم أقله.
لم تقل لي يوما أحبك ولم أقلها لها ولم أحتجها ولم تحتجني أو هكذا كنت أظن لأن الحاجة شعور متبادل وأنا لم أشعر يوما أنها تحتاجني بقدر ما تحتاج صمتي وجودي كان شاهدا لا ابنا وكان مطلوبا مني أن أعيش دون أن أرى وأن أكبر دون أن أسمع وأن أقبل أن أكون نتيجة دون سبب.
سألتها مرة وأنا صغير عن أبي فضړبت الطاولة بيدها لأول مرة ورأيت في عينيها خوفا لم أفهمه يومها ثم قالت أبوك ماټ ولا تسأل ثانية ومنذ تلك اللحظة فهمت أن بعض الأسئلة لا تطرح ليس لأنها بلا إجابة بل لأن الإجابة أخطر من السؤال.
حين كبرت لم أحبها ولم أكرهها كرها واضحا بل كنت أشعر بشيء أثقل من الكراهية شعور بالاختناق كأنني عالق في قصة لم أخترها وكلما نظرت إليها رأيت امرأة متعبة لا أعرف إن كان تعبها مني أم من نفسها وكنت أحيانا أتمنى أن تختفي لا لأنها تؤذيني بل لأن وجودها كان يذكرني أنني لا أعرف من أنا.
وعندما مرضت لم أشعر بالشفقة التي يفترض أن يشعر بها الابن بل شعرت بشيء يشبه التحرر الخجول كأن المۏت يقترب ليغلق فصلا لم أعرف كيف أخرج منه حيا ولم أزرها في أيامها الأخيرة لأنني لم أكن أملك كلمات أقولها لها ولم أكن أملك مشاعر أزيفها.
بعد مۏتها دخلت البيت لأول مرة دون خوف من أن أزعجها وجلست في المكان الذي كانت تجلس فيه وفتحت الصندوق الذي لم تسمح لي يوما بلمسه وحين قرأت الأوراق عرفت كل شيء دفعة واحدة وعرفت لماذا كنت غريبا ولماذا كانت صامتة ولماذا لم تحاول أن تكون أما كما ينبغي لأن الأمومة كانت ذنبها الوحيد الذي لم يكن مسموحا لها أن تعترف به.
عرفت أنني واحد من الأطفال الذين قالت عنهم القرية إنها خطفوا وأنها لم تكن شيطانة كما قالوا ولا ملاكا كما تمنيت لاحقا بل كانت امرأة اختارت أن تحمل الذنب وحدها لأنها لم تعرف طريقا آخر للحياة.
وحين وقفت أمام قپرها بعد أن عرفت الحقيقة لم أركع ولم أبك طويلا ولم أطلب منها الغفران لأن الغفران يحتاج حبا سابقا وأنا لم أحبها يوما لكنني قلت في داخلي فقط إنني أفهم الآن ولم يعد الفهم يوجع كما كان الجهل يوجع.
لم أحبها لكنني عشت بها ولم تكن أمي كما يجب لكنها كانت قدري الأول وبعض الأقدار لا نختارها ولا نحبها بل نتعلم فقط كيف نخرج منها أحياء.
وغادرت القپر دون أن ألتفت لأن بعض الوداعات لا تحتاج نظرة أخيرة بل تحتاج فقط أن نمشي للأمام أخيرا دون أن نشعر بالذنب.
تمت  عن قصه حقيقيه حدثت بالفعل حكايات اسما السيد حصري

الصفحة السابقة 1 2 3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock