قصص قصيرة

طفلة أرسلت رسالة إلى رقمٍ خاطئ… فأنقذت حياة أمها وغيّرت مصير رجلٍ كامل

لم يكن هاتف ماتيو رايتشي يهتز في ذلك الوقت من الليل إلا لأمر يخص العمل تقرير شحنة تنبيه عن منطقة ساخنة أو تهديد مغطى بلغة احترام أما عند الساعة الحادية عشرة واثنتين وأربعين دقيقة ليلا فقد اهتز وكأن الجهاز نفسه يخشى مقاطعته 
كان ماتيو وحيدا في مكتبه غرفة مستطيلة صامتة في طابق مرتفع من مبنى تفوح منه رائحة الجلد الفاخر والقرارات التي لا رجعة فيها من النافذة بدت بوسطن كأنها مجسم صغير مصابيح السيارات تتحرك مثل اليراعات مطر خفيف يلتصق بالزجاج وذلك السكون الغريب الذي يخيم على المدن عندما ينام الناس المحترمون ويعمل الوحوش 
ظهر على الشاشة رقم مجهول ورسالة قصيرة أكثر مما ينبغي لتكون فخا محكما 
إنه يضرب أمي من فضلك ساعدني 
قطب ماتيو حاجبيه أولا بدافع العادة لأن عقله كان يبحث دائما عن الزاوية الخفية طفل يكتب إلى رقم خاطئ قد يكون طعما أو محاولة يائسة لانتزاع عنوان أو حيلة من عدو لا يجرؤ على المواجهة المباشرة 
لكن قبل أن يضع الهاتف على المكتب وصلت رسالة أخرى بدت وكأنها كتبت بأيد مرتجفة مع دموع تسقط على الشاشة 
أنا مختبئة يقول إنه سيقتلها 
شعر ماتيو بشيء غير مريح كأن مفصلا صدئا تحرك داخل صدره لقد رأى الخوف مرات كثيرة بل تسبب به استخدمه حوله إلى أداة وعملة لكن هذا كان مختلفا لا تهديد أنيق ولا تحد ولا كبرياء مجرد صوت صغير يستغيث في الفراغ مثل شخص يغرق ولا يعلم إن كان هناك من يراه 
ثم جاءت ثلاث كلمات لا ينبغي أن يكون لها مكان في عالم فيه بالغون 
من فضلك أسرع 
ظل ماتيو يحدق في الشاشة ثانية أخرى ثم من دون التفكيرفي العواقب ومن دون استشارة أحد كتب 
أنا قادم 
كتبها قبل أن يسأل عن الاسم وقبل أن يطلب العنوان وقبل أن يتذكر من يكون هو وما الذي يعنيه أن يتحرك في المدينة بلا حراسة في تلك الساعة بسبب رسالة من رقم مجهول 
نهض فجأة صرير الكرسي الجلدي بدا وكأنه احتجاج ارتدى معطفه الداكن أخذ المفاتيح وعبر الممر رآه رجلان من حراسته فتوترا 
سيدي إلى أين تذهب
لم يجب ماتيو ليس لأنه لا يريد بل لأنه خشي إن فتح فمه أن تخرج منه نبرة غير نبرة القائد خشي أن تخرج نبرة شخص دفنه منذ زمن طويل 
في المصعد أعاد إليه انعكاس المرآة صورة رجل متقن بدلة ساعة باهظة عينان باردتان لكن خلف تلك البرودة ومضة غير مفهومة استعجال شخص أدرك للمرة الأولى أنه لا يستطيع التحكم في كل شيء بالمال أو بالترهيب 
بينما كانت السيارة المصفحة تنزلق عبر شوارع شبه خالية حدد نظام الملاحة طريقا نحو حي هادئ حيث تشكل الأشجار أنفاقا مظلمة وتملك البيوت شرفات تتدلى منها أراجيح بقيت اثنتا عشرة دقيقة اثنتا عشرة دقيقة لطفلة قد لا تملك حتى اثنتي عشرة ثانية 
اهتز الهاتف مرة أخرى 
لم أعد أجد أمي هناك الكثير من الدم 
شد ماتيو المقود حتى ابيضت مفاصله الضغط على دواسة الوقود كان فعلا غريزيا كأنه يستطيع دفع الزمن بقدمه المطر يضرب الزجاج الأمامي بإلحاح وأعمدة الإنارة تمتد في خطوط ذهبية كأن العالم يتشوه بسبب السرعة وبسبب شيء أسوأ خوف حقيقي 
أراد أن يسأل نفسه لماذا يهمني الأمر منذ متى يهمني
لكن السؤال ضربه بقوة الذكرى التي رفض حملها لسنوات 
قبل خمسة وعشرين عاما لم يكن اسمه ماتيو رايتشي كان اسمه مايكل رودريغيز وقبل أن يكون له أعداء كان له أخت 
كانت إيزابيلا في الثامنة ولها خصلات داكنة ترتد كلما ضحكت كانت تختبئ تحت الغطاء وتطلب منه قصص الفرسان والأميرات كأن العالم آمن لأنه موجود كان مايكل يجهز لها العشاء يساعدها في واجباتها وعندما تعود أمهما متأخرة من المصنع منهكة تفوح منها رائحة القماش والمعدن تكون إيزابيلا قد نامت وهي تعانق دمية بالية واثقة أن أخاها أصلح كل شيء 
إلى أن جاء ذلك الخميس من شهر نوفمبر حين رن الهاتف وقال شرطي بصوت من يحاول ألا يحطم إنسانا من الداخل إن شجارا في الشقة المجاورة قد تصاعد إطلاق نار جدران رقيقة نيران متبادلة 
ركض مايكل وكأن الركض قد يمحو ما حدث لكن في المستشفى تحت أضواء باردة تشبه التحقيقات فهم أن العالم لا ينتظر أحدا أمه نجت إيزابيلا لم تنج 
شدت إيزابيلا يده للمرة الأخيرة نظرت إليه بعينين لم تشكا فيه يوما وهمست كأنها تطلب منه مهمة بسيطة 
أعدني بأن تساعد الأطفال الآخرين عندما يخافون 
وعد مايكل 
ثم مع الجنازة ومع الغضب ومع العجز قرر أن العدالة مزحة وأن القانون يصل دائما متأخرا صار قاسيا صار نافعا لمن يحكمون تعلم كيف يحرك الأرقام ويحرك الرجال تعلم ألا يرتجف تعلم ألا يشعر 
اختفى مايكل ولد ماتيو 
حتى تلك الليلة حتى تلك الاهتزازة عند الساعة 11 42 
أعلن نظام الملاحة خمس دقائق ثم وصلت رسالة اخترقته كإبرة 
أظنني سأنام أنا متعبة جدا 
ابتلع ماتيو ريقه كان يعرف تلك النبرة لم تكن نعاسا كانت استسلاما جسد طفلة ينطفئ تحت ثقل الرعب 
من دون أن ينظر حوله أمسك الهاتف وكتب بيد واحدة فيما كانت الأخرى تثبت المقود 
لا تنامي كلميني ما اسمك
تأخرت الإجابة ثواني كأن كل حرف يكلف جهدا 
إيما 
إيما أنا مات أوشكت أن أصل ابقي معي أنت قادرة على ذلك حدثيني عن أمك 
اسمها سارة تصنع أفضل بسكويت برقائق الشوكولاتة وتقرأ لي القصص كل ليلة 
شعر ماتيو بعقدة في حلقه لم يتذكر أنه شعر بها منذ ذلك المستشفى كانت تلك الطفلة مختبئة بين الظلال والدم ومع ذلك كان أول ما يخطر لها الحديث عن البسكويت والقصص كأن التمسك بالعادي هو طريقتها لئلا تسقط في الهاوية 
توقفت السيارة على الجانب الآخر من الشارع كان المنزل من طابقين مصباح الشرفة مكسور والشجيرات متضخمة لا سيارات شرطة لا إسعاف لا جيران يراقبون من النوافذ ما يجري في الداخل يحدث في عزلة تامة كأن العنف مسموح به لأن لا أحد يريد التدخل 
ترجل ماتيو كان هواء الليل باردا والحي تفوح منه رائحة الأوراق المبتلة من الداخل سمعت ضربات مكتومة صرخة مخنوقة شيء يتحطم ثم كطلقة صامتة اهتز الهاتف 
لقد وجدني 
تقدم ماتيو نحو الباب بهدوء لم يكن هدوءا بل ذلك التحكم الجراحي الذي جعله أسطورة في المدينة كان الباب مواربا كأنه يدعو الظلام 
دخل 
ضربه الرائحة أولا بيرة فاسدة سجائر قديمة وذلك المعدن الذي لا يحتاج إلى تعريف دم طازج 
كانت غرفة الجلوس فوضى كاملة أثاث مقلوب إطارات صور محطمة شظايا زجاج تلمع على الأرض صور عائلية ممزقة كأن أحدهم أراد تحطيم فكرة العائلة نفسها 
في وسط كل ذلك كانت سارة ممددة فاقدة للوعي شعرها الأشقر ملتصق بجبهتها بالدم تنفسها صعب لكنه موجود ركع ماتيو وبعناية كانت ستدهش كل من

1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock