
الطفلة اللي وقفت قدّام قصر الملياردير وقالت له أهلاً يا أبي!
أرى في عينيها كل تلك السنين التي حملت فيها هذا السر وحدها. كنت أرى خوفها شجاعتها ترددها ندمها وأرى شيئا آخر خلف كل ذلك امرأة كانت تحاول حماية ابنتها مهما كان الثمن حتى وإن كان الثمن هو تحطيم نفسها.
قلت بصوت منخفض ثابت يشبه الاعتراف
أنت لم تكوني يوما المشكلة. المشكلة كانت هو. وآن الأوان أن يتوقف عن تقرير مصائر الجميع. لن أسمح له بذلك مرة أخرى.
لمع الدمع في عينيها لكنه لم يسقط. كانت تحارب البكاء كمن يحارب الانكسار.
وماذا عن إيمري همست.
سؤال واحد يحمل كل مخاوف الدنيا.
التفت نحو السرير.
طفلتي.
الدم الذي لم أعرف يوما أنه يجري في عروقي.
الحقيقة التي أخفيت عني عمدا.
الجزء الذي ضاع مني وعاد في أشد ليلةعاصفة.
قلت بوضوح لا يقبل جدالا
ستأتي معنا. إلى البيت. بيتنا.
لكن ليس آمنا
سيكون آمنا معي.
كانت كلماتي أشبه بقسم.
هذا قرار يا لينا. ليس طلبا. لن يفصل بيني وبين ابنتي أحد مرة أخرى.
كان بوسعها الاعتراض. الصراخ. الهرب.
لكنها لم تفعل شيئا من هذا.
رأيت لحظة الانهيار في عينيها.
لحظة الاستسلام ثم لحظة الإيمان.
إلياس قالت بصوت مكسور. لم أرد أن أدمر حياتك.
اقتربت منها حتى أصبحت المسافة بيننا تنفسا واحدا.
أنت لم تدمري شيئا. أنت أعطيتني سببا لأعيش.
وفجأة جاء صوت صغير خافت بالكاد يسمع
أمي
استدرت.
إيمري كانت قد استيقظت نصف عينيها فقط مفتوحتان شعرها مبعثر على الوسادة.
هل يمكن لأبي أن يبقى معنا سألت بصوت طفل يخشىأن يقال له لا.
جلست على ركبتي قرب السرير.
لم أعرف كيف تحمل قلبي تلك اللحظة.
قلت لها بهدوء
لن أبقى
ارتجف وجهها.
كانت على وشك البكاء.
أكملت ببطء
سآخذكما معي.
فتحت عيناها بالكامل.
دورت رأسها بيني وبين لينا.
معا همست وكأن الكلمة حلم.
معا. دائما.
أشرقت عيناها كفجر يكسر سواد الليل.
ابتسامة صغيرة تشكلت على شفتيها لكنها كانت أقوى من ألف شمس.
من خلفي قالت لينا بصوت مرتجف يشبه الاستسلام الجميل
سنذهب معك.
جمعنا أغراضنا بسرعة.
أخذت طفلتي بين ذراعي
دفئها ثقلها ثقتها كل ذلك كان يملأ قلبي بطريقة لم أعرفها من قبل.
حملت لينا حقائبها يداها تهتزان كمن يترك وراءه حياة كاملة ويبدأ أخرى من الصفر.
خرجنا من الغرفة ١٢تلك الغرفة التي كانت يوما نهاية وتحولت الليلة إلى بداية جديدة.
في الخارج هدأ المطر قليلا كأن السماء تحترم لحظتنا.
التفتت إلي إيمري وضمت عنقي بذراعيها الصغيرتين.
أبي همست قرب أذني.
نعم صغيرتي
هل أصبحنا عائلة
قبلت جبينها المبلل بعرق النوم.
نحن كذلك منذ اللحظة التي وجدتك فيها.
ابتسمت.
وغفت من جديد على كتفي كأن قلبي ذاته هو وسادتها.
وبينما نسير نحو السيارة كنت أعلم شيئا واحدا لا شك فيه
مهما حاول العالم أن يكسرنا
فنحن الآن أنا لينا إيمري
أقوى بكثير مما يتوقع أحد.
غير قابلين للكسر.
غير قابلين للتفريق.
غير قابلين للتلاعب من جديد.
كانت تلك بداية العائلة التي حرمني منها أبي وها أنا الآن أستعيدها بيدي.
ليسبالصدفة.
ولا بالوراثة.
بل بالإصرار
وبالحب الذي تأخر عشر سنوات ليعود.





