
الملياردير الذي ركع في الشارع لأجل أمّه فغيّر حياة بائعة الطعام إلى الأبد
وجهه.ماما صوته تشقق. أنا لم أمت. لقد نجوت.
لو هبط صاعق برق لما أحدث كل هذا الضجيج. الناس شهقوا بصوت عال. امرأة صرخت. شخص آخر همس هل هذا واقع جيسيكا غطت فمها بكلتا يديها. حبست أمارا أنفاسها. تراجعت ماما هانا إلى الخلف كأن قواها سحبت من عظامها وضعت يديها المرتجفتين على صدرها
نجوت همست.
يا ابني يا جاري انكسر صوتها وارتخت ركبتاها وتشوش بصرها. ساد صمت تام في الشارع يراقب الملياردير هذا الرجل الأنيق في بدلته. نظر الحراس إليها وعيونهم ممتلئة أسى.
قال
نعم يا ماما أنا ابنك الوحيد.
ارتجفت شفتا ماما هانا. سقطت ملعقتها. خانتها ركبتاها وقبل أن يمسكها أحد أغمى عليها هناك أمام أعين الجميع.
أمام أمارا وجيسيكا.
أمام الابن الذي ظنت أنه مات منذ عشرين سنة.
صرخت أمارا ماما هانا!
اندفعت جيسيكا إلى الأمام. تحرك الحراس بسرعة لكن الملياردير جيري أمسك بأمه قبل أن ترتطم بالأرض
أمي أمي كان يهمس وهو يطبق ذراعيه حولها بقوة.
ومع توافد الناس في صدمة ومع تجمد أمارا في مكانها وبكاء جيسيكا لم يكن أحد يعلم أن هذه اللحظة ستغير حياة الجميع إلى الأبد.
للحظة لم يتحرك أحد.
تجمع الحي كله حول المطعم الصغير كأنهم يشهدون معجزة وصدمة في الوقت نفسه.
كانت المظلة الممزقة ترفرف بهدوء فوق رؤوسهم. امتزجت رائحة الأرز الجولوف بالغبار. وكان الملياردير جيري أمه المغمى عليها بكلتا ذراعيه.
قال بصوت مرتجف
رجاء افسحوا لها المجال.
جثت جيسيكا إلى جانبها ويداها الصغيرتان ترتجفان
ماما هانا ماما اصحي أرجوكي.
وضعت أمارا كفها على صدرها وقلبها يخفق بقوة حتى كادت تسمعه في أذنيها. مسحت دموعها بطرف المئزر مرة بعد مرة لكن الدموع لم تتوقف. نظر جيري حوله بيأس
هل من ماء أي شيء بارد
أسرعت أمارا إلى المبرد الصغير حيث تحتفظ بقوارير الماء لزبائنها. كانت يداها ترتجفان وهي تفتح واحدة. ناولته القارورة فصب قليلا منها برفق على وجه أمه
ماما افتحي عينيك أرجوك. أنا هنا يا ماما.
لثوان لم يحدث شيء.
ثم ببطء شديد بدأت جفون ماما هانا ترف. خرج نفس خافت من شفتيها. تحركت أصابعها قليلا.
رمشت مرتين ورفعت عينيها مباشرة إلى وجه جيري.
جيري همست بصوت لا يكاد يسمع.
نعم يا ماما أنا. أنا هنا.
رفعت يدا مرتجفة ولمست خده كأنها تحتاج أن تتأكد أنه ليس حلما
أنت أنت حي. تشقق صوتها.
امتلأت عينا جيري بالدموع من جديد
نعم يا ماما نجوت. آسف لأن الأمر استغرق وقتا طويلا. أنا آسف آسف جدا.
تشبثت ماما هانا بقميصه وجذبته إليها كأنها تريد أن تحميه من أن يختفي مرة أخرى. كثيرون من حولهم مسحوا دموعهم. جيسيكا تشهقت بصوت مسموع. حتى أحد الحراس حول وجهه جانبا ومسح عينه.
وسط كل هذا الانفعال بقيت أمارا واقفة جامدة.
كان في صوت جيري شيء ثقيل في عينيه في قصته شيء قادر على كسر قلب. تراجعت خطوة إلى الوراء لتفسح المجال للأم وابنها.
ساعد جيري أمه لتجلس على كرسي. وقف حراسه حولهما بصمت ليبقوا الناس على مسافة محترمة.
قال جيري بهدوء
ماما ظننت أنك رحلت لكنهم وجدوك. أخبرني أحدهم أنك ما زلت على قيد الحياة.
مسحت ماما هانا دموعها بظاهر يدها
لكن كيف لقد دفنا تابوتا فارغا. قالوا إنك أنت ووالدك رحلتما.
ابتلع جيري ريقه وانخفض صوته
لا بد أن أشرح كل شيء.
ساد صمت آخر في الشارع. حتى الريح بدت وكأنها توقفت.
أخذ جيري نفسا عميقا ونظر إلى أمه
منذ عشرين سنة بدأ.
تتذكرين حين سافرنا أنا وأبي إلى لاغوس لشراء البضائع
هزت ماما هانا رأسها ببطء.
لم نصل أبدا قال جيري. يا ماما هاجمنا مسلحون.
همس أحد الواقفين
خاطفين
تابع جيري وعيناه تظلمان
أطلقوا النار على أبي أولا. مات في الحال. أطلقوا النار علي أنا أيضا. تركونا على الطريق يظنون أننا متنا.
انفجرت ماما هانا في موجة جديدة من البكاء وغطت فمها بيدها. اقتربت جيسيكا من أمارا وعيناها متسعتان.
لين صوت جيري والألم فيه حاد
وجدني رجل طيب سامري صالح. كنت حيا بالكاد. نقلني إلى المستشفى. فقدت الكثير من الدم وفقدت ذاكرتي. عندما استيقظت لم أعرف اسمي ولم أعرف من أين أنا ولم أعرف أن لي عائلة.
همست أمارا
يا إلهي
تابع جيري
جاء رجل إلى المستشفى أحد المتطوعين. تبناني لأن أحدا لم يكن يعرف من أكون. منحني بيتا ومنحني اسما واعتنى بي كأب حقيقي.
توقف للحظة ثم أضاف بهدوء
قالوا لي إنني وحدي بلا أحد.
انفجرت ماما هانا بكاء من جديد. وضعت جبينها على يد جيري وهي تهتز من شدة الانفعال. شد جيري أصابعها برفق.





