
البرفيوم
دخلت على بروفايلها. آخر بوست نازل من ساعة:
«مش كل هدية تبان حلوة…»
قلبي وقع. إيدي كانت بتترعش.
دخلت كلمت أمي. حكيتلها اللي حصل. صوتها اتغير أول ما سمعت عن البرفيوم.
قالتلي بصوت واطي:
إنتِ ما رميتيش الازازة صح؟
قلت:
لا… لسه عندي.
سكتت شوية. وبعدين قالت كلمة عمري ما أنساها:
لبسي حاجة طويلة على رقبتك، ومتلمسيش البرفيوم تاني، وبكرا نروح لشيخ.
ضحكت ضحكة باكية:
شيخ إيه يا ماما؟ دي حساسية…
قاطعتني بحدة:
لا.
دي مش حساسية.
قفلت وأنا جسمي كله بيرتعش. ليلتها ما نمتش. كل شوية أحس بحاجة بتمشي تحت جلدي. كل شوية أصحى مفزوعة على إحساس حد واقف جنبي.
وقبل الفجر بشوية… سمعت صوت رش.
فتحت عيني. ريحة البرفيوم مالية الأوضة.
قومت مفزوعة، النور كان مطفي. والازازة… كانت مفتوحة، على الأرض، جنب السرير.
مسكتها بعصبية، رميتها في الزبالة، وقعدت أعيط. رقبتي كانت بتسخن أكتر، ووجعي زاد لدرجة إني صرخت.
الصبح، أمي جاتلي وخدتني غصب. رحنا لشيخ كبير في السن، شكله هادي بس عينيه تقيلة.
أول ما دخلت، بص على رقبتي… وشه اتغير.
قال:
إنتِ رشّيتي إيه؟
طلعت الازازة من الشنطة. أول ما شمها، رجع خطوة لورا.
قال بصوت واطي:
دا مش برفيوم. دا مرشوش فيه عمل. عمل مرض… معمول باسمك.
قلبي وقع في رجلي. سألته وأنا ببكي:
يعني إيه؟
اتكلم بحزن
يعني اللي ادهولك كان قاصد يفتح باب. والباب اتفتح أول رشة.
سكت شوية، وبعدين كمل:
بس لسه في وقت. بس لازم تعرفي… العمل دا مش معمول من شخص واحد.
بصلي بحدة:
مين في حياتك كان عايزك تتعبي؟
اسم محمد جه في دماغي غصب عني. وبرود صوته. ومسدجه البارد. ولقب بابا اللي فجأة بقى تقيل على لساني.
الشيخ قال:
العمل دا بيتفك. بس هيحاولوا يمنعوا فكّه. وخلي بالك… اللي دخّل العمل بيتوجع لما يبدأ يفك.
خرجت من عنده وأنا حاسة إني داخلة حرب. حرب مش بس مع ليلى… حرب مع ناس أقربلي من نفسي.
رجعنا البيت قبل المغرب. الهواء كان تقيل، وكأني داخلة مكان مش بيتي. أول ما دخلت أوضتي، حسّيت بشد في رقبتي خلاني أصرخ. الورم كان كبر، وبقى فيه خطوط حمرا وسودة كأنها حبال ملفوفة حوالين رقبتي.
أمي قفلت الباب علينا، وفتحت شباك صغير. الشيخ دخل بعدها بدقايق. مسك مصحف قديم، وقعد قدامي.
قال بهدوء يخوّف:
قبل ما نبدأ، لازم تعترفي. مش ليّا… لنفسك. مين آخر حد لمسك؟ مين آخر حد ضغط عليكي تعملي حاجة وإنتِ مش مرتاحة؟
افتكرت إيدي ليلى وهي بتقرب البرفيوم من رقبتي. افتكرت ابتسامتها، وضحكتها اللي كانت ناشفة. افتكرت محمد… وبروده.
قلت وأنا بعيط:
ليلى… ومحمد.
الشيخ غمّض عينه. وقال:
كنت حاسس.
بدأ القراءة. أول آية…
جسمي اتشد. رقبتي ولعت كأن حد مولع فيها نار. صرخت. أمي كانت ماسكة إيدي وبتقرأ ورا الشيخ.
وفجأة… سمعنا خبطة عنيفة على باب الشقة.
صوت محمد:
افتحوا.
الشيخ وقف. قال بحدة:
محدش يفتح.
الصوت علي:
افتحي يا بنت الناس، إنتِ بتعملي إيه؟!
كملنا. الصوت اتغير. بقى مبحوح، غريب:
وقفي… وقفي اللي بتعمليه.
جسمي اتقوس. حسّيت بحاجة بتطلع من صدري لرقبتي. صوت مش صوتي خرج من بوقي:
لسه بدري…
أمي صرخت. الشيخ رفع صوته بالقرآن. والباب اتفتح لوحده.
ليلى كانت واقفة. وشها أصفر، وعينيها محمرة. ورايحة جاية زي المجنونة.
صرخت:
وقفي! العمل دا لو اتفك، أنا هموت!
الشيخ بص لها:
إنتِ اللي ربطتي روحك بيه.
وقعت على الأرض. بدأت تصرخ:
ماكنتش عايزة تموت… كنت عايزة تمرض! كنت عايزاها تسيبه! محمد كان قايلي اعملي كده!
لفّيت راسي بالعافية. محمد كان واقف على الباب. وشه اتكشف. ملامحه كانت قاسية، وعينيه مليانة رعب.
قال:
إنتِ ما كنتيش نافعة. كان لازم أضعفك. أربطك. تفضلي محتاجاني.





