قصص قصيرة

قالوا عنه عجوزًا… ولم يعرفوا كيف أنقذ روحي

أبنائي عن زواجي. في البداية كنت أراوغ ثم بدأت أنفتحلكن بحدود. اعترفت له بأنني أشعر بالوحدة وأنني رغم كوني متزوجة كنت أعيش ضغطا وإرهاقا جعلاني أشعر بثقل نفسي ووحدة يومية. كان ينصت في صمت بتلك الطمأنينة التي كانت تربكني ثم قال ما هزني من الداخل
الوحدة لا تكون دائما في غياب الناس أحيانا تكون في غياب الانتباه أنت تبذلين جهدا كبيرا ومن حقك أن تحصلي على تقدير واحترام داخل بيتك وخارجه. لكن الطريق الصحيح يبدأ بأن تضعي الأمور في مكانها بيتك أولا وكرامتك دائما.
كانت هذه أول مرة يقول لي أحد بيتك أولا دون أن يهاجمني أو يلومني. كان كلامه أشبه بإشارة طريق ليس مطلوبا منك أن تهربي من حياتك بل أن ترتبيها. وفي تلك الليلة عدت إلى المنزل وأنا أفكر ماذا لو كان الصمت الذي بيني وبين زوجي قابلا للإصلاح وماذا لو كنت أنا أيضا بحاجة إلى حدود واضحة داخل بيتي
انتبهت أن القرب اليومي في الرعاية قد يربك الحدود عند أي إنسان لذلك كنت كلما شعرت بأي التباسمهما كان صغيراأعيد الأمر إلى سياقه المهني فورا الحديث عن الدواء عن مواعيد الطبيب عن قائمة المشتريات عن السلامة في البيت. كنت أريد أن أبقى في المنطقة الآمنة التي تحمي كرامتي وكرامته.
وفي إحدى الليالي بينما كنت أجمعفناجين الشاي قال بصوت منخفض
يا لورا أحيانا أتساءل إن كنت أحملك أكثر مما ينبغي. هل أنت مرتاحة في العمل هل المسؤولية تتعبك هل تحتاجين لتخفيف الساعات
ارتحت لهذا السؤال لأنه محترم وواضح. أجبته بصدق
أنا أقدر السؤال. نعم أتعب أحيانا لكن وجود خطة وتنظيم يخلي الأمور أسهل. وإذا احتجنا نرتب الساعات نرتبها بشكل رسمي.
هز رأسه وقال
هذا ما أحبه فيك الوضوح.
لم يعد الاعتناء به مجرد واجب صار الأمر اختبارا لضميري وحدودي فقررت أن ألتزم بالوضوح والاحترام وألا أسمح لأي التباس أن يتوسع.
وصلت ذات يوم متأخرة قليلا. كانت قد هطلت أمطار ولا تزال ثيابي تحمل رائحة العاصفة. كان دون إرنستو ينتظرني جالسا في مقعده وقد غطى ساقيه ببطانية. حين رآني قال
ظننت أن المطر سيحرمني من مساعدتك اليوم.
قلت دون تفكير ولا المطر يمنعني طالما الأمر ضمن الوقت المتفق عليه.
ثم طلب مني أن أجلس دقيقة قبل أن أبدأ
اجلسي قليلا لا تتعجلي أريد أن أقول شكرا فقط.
جلست على مسافة مناسبة. ثبتت عيناه الرماديتان في وكان صوت الساعة على الحائط يعد الثواني. قال
منذ زمن طويل لم يبق أحد ليستمع لي حقا. الجميع يمرون مسرعين يسألونني كيف أنا ثم يرحلون أما أنت فتنظمين يومي. وهذا يجعلني أشعر بأنني ما زلت قادراعلى إدارة حياتي.
كانت لحظة إنسانية صادقة. لم يحدث شيء خارج حدود الاحترام ومع ذلك شعرت أن المعنى وحده كان كافيا ليغير شيئا داخلي.
بدأت الهمسات تتكاثر في الحي لا لأن شيئا خاطئا يحدث بل لأن الناس يملون من صمتهم فيصنعون حكايات. روزا تعود بأسئلة مغلفة وجارات السوق يبتسمن ابتسامات حادة. كنت أفهم أي امرأة تدخل بيت رجل كبير بمفردها كثيرا ستصبح مادة للثرثرة حتى لو كانت تعمل بضمير.
في ذلك اليوم وصلت إلى البيت كعادتي فوجدت البوابة مفتوحة وسمعت أصواتا في الداخل. توقفت. كانت روزا هناك. تجمد الدم في عروقي.
ناداني دون إرنستو ادخلي يا لورا.
كانت روزا جالسة تشرب القهوة. ابتسمت ابتسامة فضول. قالت صدفة لطيفة جئت أطمئن عليه.
ابتلعت ريقي وابتسمت. قال دون إرنستو بهدوء تحسنت كثيرا بفضل لورا هي تنظم دوائي وتتابع سلامة البيت.
راقبتني روزا بعينين فاحصتين. لكنني كنت ثابتة فتحت دفتر المواعيد أمامها وقلت ببساطة
هذا جدول العلاج وهذه مواعيد الطبيب وهذه قائمة الأشياء اللي لازم تتبدل لتجنب التعثر. إذا بتحبي خليكي دقيقة أشوف إذا في شيء تحبي تساعدي فيه كجيران.
تغيرت ملامحها. لأن الوضوح يسقط الإيحاء. وبعد دقائق غادرت. أغلقت الباب وأنا أتنفس الصعداء. قال دون إرنستو مبتسما
لاتقلقي الناس تشك لكن الوثائق والتنظيم يخرسون الشك. ابقي دائما على وضوحك.
بعد زيارة روزا صرت أشعر بأن العيون تلاحقني. كل خطوة نحو بيت دون إرنستو كانت تثقلها فكرة أن الستائر في الحي تتحرك قليلا وأن الفضول صار يتقدم على المجاملة. لم يعد أحد يقول شيئا صريحا لكن التحايا صارت مقتضبة والأسئلة مغلفة بلهجة بريئة لا تخلو من التلميح.
في البيت بدأ زوجي يلاحظ طول غيابي. واجهني ذات ليلة ببرود حاد
كل هذا الوقت هناك
قلت بهدوء أنا شغلي واضح وفي ساعات محددة. وإذا بدك بعطيك رقم المكتب المسؤول عني أو العقد ما في شيء مخبى.
لم يجادل لكن نظرته قالت إن بيننا مشكلة أعمق من ساعات عمل. كانت مشكلة احترام واهتمام غائبين منذ زمن.
في اليوم التالي أخبرت دون إرنستو بما حدث. أصغى وقال بحزن هادئ
بيتك أهم. إن شعرت أن الشغل صار سبب فتنة أو خلاف نقلل الساعات أو نرتب وجود طرف ثالث أو حتى تغيري الوظيفة. الرعاية الحقيقية لا تهدم البيوت ولا تفتح أبواب سوء فهم.
كانت جملته مثل ميزان. لأول مرة أشعر أن أحدا يفكر في مصلحتي دون أن يستغل ضعفي. قلت بصدق
إن كان شيء سينهار فهو كان متصدعا قبل أن نلتقي. لكن أنا لا أريد أن أتركه ينهار. أريد أن أصلحه بشكل صحيح.
هنا بدأت القصة تأخذ طريقامختلفا طريق إصلاح لا هروب.
قررت

الصفحة السابقة 1 2 3 4الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock