قصص قصيرة

مليونير منع الضحك في قصره… حتى كسرت خادمة قاعدة واحدة وغيّرت كل شيء

وكأن البيت نفسه قرر أخيرا أن يتنفس أما الضحك ذلك الصوت الغريب عن المكان فقد تردد في الممرات الواسعة وارتد عن الجدران العالية وتسلل إلى الزوايا التي لم تعرف من قبل إلا وقع الخطوات الصامتة 
كان ضحكا مترددا في البداية ثم صار أوضح أدفأ وأكثر جرأة ضحك طفلين اكتشفا فجأة أن العالم ليس خطرا بالكامل وأن المتعة ليست خطيئة وأن الفرح ليس شيئا يجب كتمه أو الخوف منه 
جلس جوناثان تلك الليلة طويلا دون أن يعمل ودون أن يمسك هاتفه ودون أن يفكر في اجتماعات الغد كان يراقب ولديه من بعيد يراقب حركة أيديهما الصغيرة وابتسامتهما التي بدت كأنها ولدت متأخرة أربع سنوات كاملة للمرة الأولى شعر بثقل الحقيقة أنه بحسن نية حرم ابنيه من أبسط ما يحتاجه الإنسان لينمو الإحساس بالأمان الممزوج بالحرية 
وفي الصباح التالي حين كانت الشمس تدخل بهدوء عبر النوافذ الزجاجية طلب من ماريا أن تجلس معه لم يكن في صوته أمر ولا سلطة بل رغبة صادقة في الفهم 
سألها بهدوء نادر 
لماذا نجح هذا لماذا تغير كل شيء بهذه البساطة
صمتت ماريا لحظة طويلة لم يكن الصمت ارتباكا ولا عجزا عن الإجابة بل كان امتلاء كانت تعرف في أعماقها أن السؤال الذي طرحه جوناثان لم يكن عن المسبح ولا عن الماء ولا حتى عن الضحك ذاته بل عن سنوات كاملة من الخوف وعن طريقة حياة بنيت على الحذر حتى نسيت معنى الاطمئنان لذلك لم تجب فورا بل تركت الكلمات تستقر في داخلها كما تستقر قطرة ماء قبل أن تتسع دوائرها 
ثم رفعت رأسها وقالت بصوت هادئ لكنه ثابت لا يحمل تحديا ولا ترددا 
لأنهما لم يعاملا كمشكلة يجب إدارتها ولا كحالة يجب السيطرة عليها عوملا كطفلين ككائنين صغيرين يستحقان أن يفرحا وأن يخطئا وأن يكتشفا العالم بطريقتهما 
كانت كلماتها بسيطة بلا مصطلحات معقدة بلا لغة طبية أو تربوية لكنها أصابت قلب الحقيقة مباشرة شعر جوناثان وكأن أحدهم أزاح ستارا كثيفا عن نافذة ظلت مغلقة طويلا لم تكن المشكلة في نقص المال ولا في قلة الرعاية ولا في غياب المتخصصين كانت المشكلة في نظرة واحدة في زاوية رؤية ضيقة جعلت الخوف سيد القرارات كلها 
منذ ذلك اليوم لم تتغير القواعد المكتوبة فقط بل تغيرت تلك القواعد الخفية التي لم تنطق يوما لكنها حكمت البيت سنوات طويلة تغيرت طريقة النظر وطريقة التفكير وطريقة الشعور لم يعد الخوف هو المعيار الوحيد لكل قرار ولم يعد الصمت يقاس على أنه نجاح أو دليل انضباط لم تعد الحركة تهديدا ولا الضحك إزعاجا ولا الفوضى الصغيرة علامة فشل 
أضيفت تجهيزات أمان مناسبة للمسبح نعم ووضعت خطط واضحة واستشير مختصون واستمرت الجلسات العلاجية كما كانت بل أصبحت أكثر إنسانية وأقل جفافا لم يلغ الحرص ولم تهمل السلامة لكن شيئا جوهريا تبدل لم يعد الفرح ممنوعا ولم يعد ينظر إليه كخطر يجب كبحه 
صار التوأمان يقضيان وقتا أطول قرب الماء في البداية كانت اللحظات قصيرة محسوبة يرافقها قلق واضح في عيني الأب لكن مع الأيام بدأ القلق يتراجع لا لأنه اختفى بل لأنه لم يعد وحده المسيطر صار إيثان وليو يرشان الماء بأيد صغيرة غير متقنة يضحكان حين تبلل وجوههما ويطلقان أصواتا غير منتظمة غير مدروسة لكنها حية ومع كل مساء كان ضحكهما يعلو قليلا وكأن الصوت نفسه يتعلم كيف يخرج بعد سنوات من الصمت 
لم يعد الضحك حدثا استثنائيا يخشى أن يتكرر بل صار عادة يومية وصار علامة حياة صار البيت يستيقظ على أصوات جديدة أسئلة الأطفال دهشتهم اعتراضهم أحيانا وحتى لحظات الغضب الصغيرة التي لم تكن موجودة من قبل وكلها على بساطتها كانت دلائل على نمو حقيقي لا على خلل 
ومع كل ضحكة كان جوناثان يتعلم درسا جديدا تعلم أن الحب لا يعني الحماية المفرطة فقط بل يعني الثقة أيضا وأن الأمان الحقيقي لا يولد من السيطرة الكاملة بل من السماح بالحياة أن تحدث من إعطاء مساحة للتجربة حتى لو رافقها شيء من القلق تعلم أن الطفل الذي لا يسمح له أن يخطئ لا يسمح له أيضا أن يتعلم 
في ليال كثيرة كان جوناثان يجلس وحده بعد أن ينام التوأمان يستعيد شريط السنوات الماضية يتذكر كيف ظن أنه يفعل الصواب حين جعل كل شيء ثابتا ساكنا قابلا للتوقع وكيف لم ينتبه أن السكون الطويل قد يتحول إلى جمود وأن الهدوء القسري قد يخفي فراغا عميقا لم يكن يلوم نفسه بقدر ما كان يفهم نفسه ويفهم كيف يمكن للخوف حين يتخفى في ثوب الحب أن يصبح قيدا دون أن نشعر 
تعلم جوناثان حقيقة لم تعلمه إياها الثروة ولا الصفقات الكبرى ولا سنوات النجاح المتراكم 
أن حماية الأطفال من العالم لا تعني شيئا إن كنا في المقابل نحميهم من السعادة نفسها 
أن الخوف حين يتجاوز حده الطبيعي قد يتحول من وسيلة أمان إلى سجن صامت 
وأن الفرح ليس خطرا يجب التحكم به بل حاجة أساسية مثل الهواء 
ومع الوقت لم يتغير التوأمان وحدهما بل تغير البيت كله تغيرت نبرة الحديث وتغيرت طريقة المشي في الممرات وتغيرت العلاقة بين من يسكنون المكان لم تعد ماريا مجرد خادمة تتحرك في الظل بل أصبحت جزءا من النسيج اليومي للحياة شخصا يصغى إليه وتحترم رؤيته ولم يعد جوناثان يرى نفسه المدير الوحيد لكل تفصيل بل أبا يتعلم ويخطئ ويصحح 
وأحيانا حين كان يرى ولديه يضحكان قرب الماء كان يتوقف للحظة ويشعر بثقل في صدره ليس حزنا بل إدراكا متأخرا إدراكا بأن الحياة لا تقاس فقط بعدد السنوات التي نحمي فيها أبناءنا من الألم بل بعدد اللحظات التي نسمح لهم فيها أن يشعروا بأنهم أحياء حقا 
وهكذا لم يحتج تغيير حياة كاملة إلى خطط معقدة ولا إلى قرارات مصيرية
كبرى ولا إلى ثروة إضافية لم يحتج إلى بناء جديد ولا إلى أجهزة أكثر تطورا احتاج فقط إلى تغيير زاوية النظر وإلى شجاعة صغيرة تقول ربما الخوف ليس دائما الطريق الصحيح 
أحيانا يكفي فعل صغير 
رشة ماء عابرة 
سؤال يطرح في وقته 
ولحظة شجاعة نسمح فيها للفرح أن يكون أعلى من الخوف
وللضحك أن يكون أقوى من الصمت
وللحياة أن تعاش لا أن تدار فقط

الصفحة السابقة 1 2

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock