قصص قصيرة

زرت ابنتي دون اخطار

زرتُ ابنتي دون إخطار مسبق، فصُدمت؛ كانت حماتها وزوجها جالسين يأكلان، بينما كانت هي تغسل الأطباق وترتجف من شدة البرد، خطڤ زوجها الطبق من يد أمه وصړخ فيها أن تتوقف عن الغسل وتُحضر المزيد من الطعام، في تلك اللحظة لم أصرخ ولم أجادل ولم أُظهر شيئًا مما كان يشتعل داخلي، أخرجت هاتفي بهدوء وأجريت مكالمة قصيرة، وبعد خمس دقائق فقط تغيّر كل شيء من جذوره، لكن دعوني أعود للبداية كما عشتها. لم أكن أنوي زيارة ابنتي ذلك السبت، كنت عائدة من مؤتمر عمل وقررت المرور بمدينتها لمفاجأتها، فقد كانت تحب المفاجآت منذ صغرها، تخيلت فنجان قهوة وضحكة صافية وحضنًا دافئًا عند الباب، لكن ما إن دخلت شقتها حتى شعرت ببرودة تخترق عظامي لا علاقة لها بالطقس، المدفأة شبه معطلة والنوافذ مغلقة بشريط لاصق قديم والهواء مشبع برائحة زيت بارد، على الطاولة جلس زوجها مارك وأمه ديان يأكلان طعامًا ساخنًا يتصاعد بخاره، بينما كانت لورا واقفة عند الحوض ويداها في ماء بارد، كتفاها يرتجفان ووجهها شاحب وعيناها غارقتان في صمت موجع، حيّيتهما بهدوء فقوبلت ببرود، سألت لماذا لا تجلس معهم فقالت حماتها بلا اكتراث إنها تأكل لاحقًا، ثم دفع مارك طبقه نحوها بفظاظة طالبًا المزيد من الطعام لأمه، عندها أدركت الحقيقة كاملة في ثانية واحدة، هذا ليس خلافًا عابرًا بل حياة كاملة من الإهانة، ابنتي تعيش خادمة في بيتها، حين دخلت الردهة وأجريت المكالمة كنت أعرف تمامًا ماذا أفعل، اتصلت بمحامٍ صديق للعائلة وشرحت له الوضع باختصار، ثم اتصلت بصديقة قديمة تعمل في الخدمات الاجتماعية، ولم أنسَ الاتصال بمديري السابق الذي يملك نفوذًا قانونيًا لا يُستهان به، عدت وجلست أراقب المشهد بهدوء بينما لورا تتحرك كظل، وبعد دقائق دق الباب بقوة، فتح مارك فوجد أمامه ضابط شرطة وموظفة من الشؤون الاجتماعية ومعهما محامٍ يحمل أوراقًا رسمية، تجمد وجهه وسقط الهاتف من يده، بدأت الموظفة تسأل أسئلة واضحة عن ظروف المعيشة وسلوكيات الإكراه، بينما قرأ المحامي إشعارًا رسميًا بفتح تحقيق في إساءة المعاملة النفسية والاستغلال المنزلي، حاولت ديان الصړاخ والإنكار لكن صوتها تلاشى أمام الأدلة والصور التي أرسلتها لورا لي ليلًا ولم أكن أعلم حقيقتها من قبل، صور ليديها المتشققتين ورسائل ټهديد مسجلة، في تلك اللحظة اڼفجرت لورا بالبكاء لأول مرة، بكاء حرًا لا يشبه صمتها السابق، اقتربت منها وضممتها وشعرت بجسدها يرتجف ثم يهدأ، خلال ساعات كانت قد جمعت أغراضها وغادرت معي، وفي الأيام التالية رُفعت دعوى طلاق وحصلت على أمر حماية رسمي، وعادت ابنتي لتنام في بيت دافئ دون خوف أو أوامر أو إذلال، وبعد شهور رأيتها تضحك كما كانت تفعل وهي طفلة، وعرفت حينها أن تلك المكالمة الهادئة لم تغيّر يومًا واحدًا فقط، بل أنقذت عمرًا كاملًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock